تشكل القضية الفلسطينية هماً عربياً لا يغيب عن طاولات اللقاء بين القادة العرب بشكل عام، وقادة الخليج العربي بشكل خاص، لكن هل تشكل القضية الفلسطينية هذا الاهتمام على مسرح السياسة العالمي؟ بالطبع لا، فقد دخلت لفترة زمنية طويلة في مرحلة النسيان والتجاهل حتى عادت مجدداً إلى واجهة المشهد الدولي وصلب النقاش والمداولات السياسية المعمقة، بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي وما سببته من تعقيدات سياسية جمة تتعلق بأمن إسرائيل والأحداث الاستثنائية التي تباين أثرها على التعاطي الدولي مع القضية منذ ذلك اليوم.

ما بين استنكار دولي لعمليات القتل الجماعي للمدنيين العزل، وبين تبريرات لأعمال العنف من الجانب الإسرائيلي كحق أمني، والتفاوت الشاسع في موازين القوى العسكرية على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، غاب أي أفق سياسي لحل النزاع وعودة الهدوء إلى المنطقة، بل امتد الصراع إلى مناطق أخرى وشكّل تهديداتٍ أمنيةً تتسع يوماً بعد آخر، فعلاوة على النطاق الفلسطيني الإسرائيلي، هناك جنوب لبنان، وأجزاء من العراق وسوريا، علاوةً على البحر الأحمر الذي تتحمل ميليشيا الحوثي في اليمن مسؤولية إشعاله بإطلاقها الصواريخ والمسيرات لاستهداف السفن التجارية، مما أسفر عن تداعيات جيوسياسية واسعة في منطقة تحظى بأهمية دولية كبيرة.

وهو ما استدعى التحول الكبير في الاستراتيجية الأميركية للتعامل مع الحوثيين، فضلاً عن توسع نطاق المواجهة في ظل تنافس إقليمي ودولي للهيمنة على الممرات الملاحية والتجارة الدولية، خصوصاً بعد أن أعلن المجلس السياسي الأعلى للحوثيين أن كل المصالح الأميركية والبريطانية «أصبحت أهدافاً مشروعة»، وذلك رداً على الضربات التي تعرضت لها مواقع تابعة لهم! الموقف الأميركي إزاء القضية الفلسطينية والصراع الجاري في غزة لا يحتاج إلى التعمق في فهمه أو تحليله فهو موقف ثابت وقائم على الدعم الكامل لإسرائيل، منذ أول يوم للصراع. أما الاتحاد الأوروبي، ومنذ تسعينيات القرن العشرين، فقد حافظ دائماً على التزامه بـ«حلّ الدولتَين»، والعودة إلى حدود العام 1967، وإدانة المستوطنات الإسرائيلية.

لكن خلال الأعوام الأخيرة، توطّدت علاقات البلدان الأوروبية مع إسرائيل جراء الروابط الثنائية المتنامية في الاقتصاد والأعمال، أما على المستوى الشعبي في أوروبا فالوضع مختلف حيث أدى النزاع الأخير في غزة إلى بروز الكثير من الأصوات والمطالبات، مع تأجج في المشاعر والشعور بالذنب التاريخي والانقسامات في الرأي بين مَن يؤيد القتل ومَن يرفض المأساة الإنسانية القاسية في غزة، حيث يرزح الفلسطينيون منذ عقود طويلة تحت وطأة الاحتلال وضياع الحقوق وتآكل الأرض والحصار في أحيان كثيرة، وهذا الانقسام أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة في مختلف دول أوروبا مع تباين في الاستجابة السياسية لهذه الاحتجاجات والمطالبات من دولة إلى أخرى، لكن المؤكد أنه في ظل هذه الأحداث فلا دور واضح يضطلع به الاتحاد الأوروبي لحسم الحالة المتفاقمة في المنطقة، بل لم يكن الاتحاد الأوروبي يوماً في موقع يخوله التأثير في التوصل لحلول سياسية حاسمة، لكنه اليوم قادر على تسيير البعد الإقليمي للحوار الدبلوماسي لخفض التصعيد والحد من الانزلاقات السياسية والمواجهات الإقليمية العسكرية، كما أن الاتحاد الأوروبي قادر على الاضطلاع بدور عميق في دعم الانخراط المدني في غزة وبناء مستقبل مختلف، وترسيخ أواصر التعايش والهدوء في مناطق الصراع.

*كاتبة سعودية