في سياق حوار العرب مع الأوروبيين حول خطورة «الإخوان»، كجماعة سياسية إرهابية متطرفة، لا بد من التوضيح للأوروبيين بأنه قد يكون غائباً عن أذهانهم بأن تجنيد أعضاء جماعة الإخوان لاستخدامهم في عمليات العنف والإرهاب هي عملية معقدة جداً يصعب اكتشافها بسهولة وتقوم على أساليب خاصة بالجماعة وحدها، فأساليب التجنيد السياسي للأعضاء متعددة وتتطور بما يتناسب مع مراحل تطور الجماعة ذاتها، سواء بالنسبة للدعوة العلنية أو التنظيم السري، ما يعني وجود خبرات تنظيمية لديهم.

إن التجنيد السياسي لدى «الإخوان» لا يقتصر عند رغبة العضو في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مراحل قصيرة أو طويلة الأمد وفقاً لنوع العضوية المتاحة لكل شخص بعينه ووفقاً لنوع العضوية التي يراد منحه إياها من قبل قادة الجماعة، ويتعرض المرشح خلالها لإعداد نفسي وفكري وبدني ومهاري بما يتناسب ونوع ودرجة العضوية المرشح لها. إن عملية تكوين وتشكيل الأعضاء المرشحين تتسم بمحاولة دمجهم بشكل كامل في الجماعة وعلى مراحل زمنية تشعر الأعضاء بسلاسة المسألة. وهنا مكمن الخطورة في تكوين العضو ويحتاج الأمر إلى التوضيح بأن عملية الدمج تتم من خلال إحاطة العضو بسيل من الواجبات التي تحيط بحياته كلها وترسم له سلوكياته اليومية المعاشة وأعماله وعلاقاته الشخصية وأدق تفاصيل حياته.

إن اتباع هذه التعليمات يجعل من العضو عضواً في كل لحظة من لحظات حياته فيمارس نشاطه اليومي لا باعتباره إنساناً عادياً، ولكن باعتباره عضواً في الجماعة بحيث يصبح كما لو كان يستمد وجوده المادي والمعنوي والروحي منها، ويتم خلق ذلك فيه طواعية ما يزرع في نفسه الطاعة العمياء والسلاسة في تنفيذ أوامر الجماعة من دون ما تردد أو نقاش بحيث يصبح مجتمع الإخوان مغلقاً يحيا أفراده حياتهم اليومية وفق تعليمات صارمة وضعتها قيادتهم لا يشاركهم أحد في الالتزام بها من خارج جماعتهم. وبهذا يذوب الأفراد في الجماعة وفي «أميرها» المجسد لها المبايَع على السمع والطاعة بواسطة أمور لا ترتبط بهدف سياسي بعينه ولا بمنطق عقلي واضح ولا بنشاط عام محدد، وهذا يجعل الفرد مرعوباً من لفظ الجماعة له إن لم يكن على قدر المسؤولية التي تناط به ما يهدده بالانهيار التام لو حل غضب الجماعة عليه وأبعد عنها.

عملية الدمج هذه وتكوين المجتمع المغلق والإحساس المبالغ فيه بالذات باعتبار أنه ينتمي إلى الجماعة التي تعتبر منهاجاً وحده وحسب بأنه الإسلام الصحيح. إن الإنسان الذي تُبنى شخصيته على أسس من هذا القبيل يصبح متعصباً لجماعته، لا يتقبل الآخرين الذين يختلفون عنه ومعه في الفكر، بل وينظر إليهم نظرة متعالية، تستند ضمناً إلى فكرة أن الآخرين كفار، طالما أنهم لم يوالوا الجماعة ولم ينضموا إليها.

وهكذا يصبح أعضاء جماعة «الإخوان» قد خطوا خطوات واسعة نحو العنف السياسي تجاه الآخرين كسلوك مشروع. تعد عملية دمج العضو بالكامل في جسد الجماعة، عملية شاملة لكافة الأعضاء، لكنها تتم بدرجة أكبر بالنسبة لدرجتين مهمتين من درجات العضوية هما درجة «المجاهدين» ودرجة أعضاء التنظيم الخاص، وهما المستويان اللذان مارس أعضاؤهما العنف السياسي والإرهاب كالاغتيالات السياسية والتفجيرات المفخخة للأماكن ووسائل النقل والعمليات الانتحارية.

وجدير بالذكر أن «التنظيم الخاص» ضمن جماعة «الإخوان» يغطي الجوانب المتعلقة بالعنف منذ الأيام الأولى لتأسيس الجماعة في مصر في العهد الملكي، وله أهمية كبيرة في جميع مراحل تكوين شخصية العضو ولا يقتصر على الجوانب القتالية والعنف فقط، بل يمتد إلى الجانب السياسي والاستخباري ممثلاً في جمع المعلومات والأخبار والتدريب على إعداد التقارير، الأمر الذي يوفر لقيادات الجماعة معلومات غزيرة حول الأوضاع الأمنية والسياسية والأماكن الاستراتيجية وكيفية السيطرة عليها في الدول المعنية، الأمر الذي يثير الشبهة والتساؤلات حول نشاطات «الإخوان» من زاوية الأهداف من وراء جمع المعلومات الغزيرة من قبل جماعة تدعي بأن نشاطاتها وأهدافها تنحصر في نشر الدعوة والإصلاح الاجتماعي. وللحديث صلة.

*كاتب إماراتي