أصدر سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، قراراً بتعيين معالي اللواء فارس خلف المزروعي رئيساً لهيئة أبوظبي للتراث. وحين يتولى معالي فارس خلف المزروعي رئاسةَ هيئة أبوظبي للتراث فهذا يعني أن الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنه اختيار وافق أهلَه، حيث إن معاليه ورث الاهتمام بالثقافة التراثية من بيئته ومن تجربة وخبرة واهتمام شقيقه الراحل الكبير محمد خلف المزروعي الذي أنشأ وأسس وأشرف على العديد من المشاريع والمؤسسات والأنشطة والفعاليات الثقافية والأدبية والتراثية المهمة في العاصمة أبوظبي، وخلال فترة قصيرة ترك بصمةً واضحةَ المعالم والرؤى في دولة الإمارات، ما زالت شاهداً على إنجازاته وعطاءاته حتى آخر لحظة في حياته حين انتقل إلى جوار ربه يوم 13 نوفمبر 2014 اثر حادث مروري مؤسف، بعد خدمة جليلة وثرية لوطنه.

والآن يأتي اللواء فارس ليكمل ذلك الدور، لاسيما أنه يتمتع بسمعة واسعة بين الباحثين والشعراء والكتاب والإعلاميين والمهتمين بالتراث، إذ يقضي معهم أوقاتاً طويلة ويجري مشاورات متعددة في «مجلس محمد خلف» الذي تأسس بعد رحيله، لكي يكون منبراً أدبياً وثقافياً وتراثياً يقصده المهتمون بهذا الشأن.

إن الأنشطة الثقافية جعلت من مدينة أبوظبي مقصداً تراثياً مهماً في المنطقة، وذلك بفضل مشاريعها الثقافية والأدبية والتراثية التي أصبحت سمة بارزة ومعلماً واضحاً لهوية متجددة ومفعمة بالعراقة والإبداع، إذ تحرص هيئاتُها على إحياء إرث الآباء والأجداد من خلال دعمها اللامحدود للمشاريع التراثية الأصيلة الراسخة في الذاكرة الجمعية والمحفورة في الوجدان المجتمعي والمحفوظة في بطون الكتب.. وعلى إقامة الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والفعاليات.

ويأتي الاهتمام بالتراث من جانب أبوظبي رغم طابعها الحداثي المطرد وتطورها السريع والمتنامي في ظل اقتصاد مزدهر أصبح محط أنظار العالم كله، حيث حرصت على نهج باني نهضة الدولة وموحد كيانها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يعشق التراث ويتمسك بثوابته ويدعم الثقافةَ وينمي الأدبَ ويعتز بالهوية الأصيلة.. وهو صاحب المقولة الشهيرة «الذي ليس له ماض ليس له حاضر والذي ليس له حاضر ليس له مستقبل».

وقد سار على نهج الشيخ زايد أبناؤه البررة من بعده، إذ ورثوا منه هذه السمات والصفات والخصال، وفي مقدمتها الاهتمام بالتراث الأصيل الذي يشكل الوجهَ المشرقَ لهذه المدينة الجميلة التي جمعت بين الماضي العريق والتطور النهضوي بوجوه ازدهاره العمراني والاقتصادي والتكنولوجي.. وبآفاقه المستقبلية المشرقة.

ولا شك في أن حداثة أبوظبي وأصالتها معاً أسهمتا في جعلها واحدة من المدن العالمية الأكثر أمناً واستقراراً وبريقاً وجاذبيةً، إذ ما فتئت ترتدي وشاح الأصالة وتتزين ببريق النهضة وتتلبس عراقةَ التطور والتنمية والازدهار والإلهام، حتى أصبحت منارةً مشعةً ومنصة نشطة لإطلاق المبادرات الفاعلة والأفكار المبدعة والمشاريع الثقافية الواسعة والأدبية الرزينة والتراثية الخالدة.. محافظةً بذلك على كنوز ماضيها العريق الذي تصونه أجيالُ شبابها بكل فخر واعتزاز.

*كاتب سعودي