غالباً ما يكون الحديث عن النفط وشؤونه وشجونه شيقاً وجذاباً، وعلى ضوء ما تمر به المنطقة العربية وجوارها الجغرافي من أحداث، وما يدور من حروب طاحنة وأزمات في عدد من مناطق العالم يزداد هذا الحديث تشويقاً وجذباً. في المنطقة العربية الأزمة القائمة حالياً في مضيق باب المندب وبحر العرب والبحر الأحمر، والحروب في الدول العربية، والصدام بين روسيا وأوكرانيا تزيد الأمور سوءاً وتفاقماً.

هذه الأمور المتداخلة تصب جميعها في خانة التأثير على أسواق النفط والغاز حول العالم. إن دولا كثيرة منتجة للنفط الخام والغاز الطبيعي تعمل على تجيير أحداث السوق العالمية لكي تصب في مصالحها ومكتسباتها، لكن العديد من الطروحات والتقارير حول أن أقطار كروسيا مثلاً ومعها دول أخرى تتعمد رفع إنتاجها بمقادير كبيرة يومياً هي أحاديث مبالغ فيها.

إن الحاصل هو وجود زيادات في الإنتاج من قبل معظم الدول تجد طريقها إلى الأسواق، وهذه الزيادات مؤثرة من النواحي العملية على الأسعار، وتؤدي إلى انخفاضها. الزيادة في المعروض لا تأتي من فراغ أو رغبة من المنتجين طواعية لإغراق الأسواق العالمية، لكن نتيجة لضغوط تمارسها الدول المستوردة والمستهلكة الكبرى في الغرب وفي الشرق وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والصين والهند اعتقاداً منها أن ذلك يسهم في استقرار الأسعار.

لكن مقابل ذلك يوجد جانب آخر للمسألة هو أن كبار المنتجين المصدرين كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة الكويت وروسيا يسعون دائماً إلى الموازنة بين ما هو معروض في الأسواق العالمية وما تحتاجه تلك الأسواق واقعياً لكي تتم المحافظة على أسعار مستقرة في أسواق الطاقة الأحفورية، فتقوم بزيادة الإنتاج أو خفضه وفقاً لمتطلبات الاستقرار السعري. بهذا الشكل المسألة في واقعها تبدو وكأنها صراع مصالح ما بين المنتجين والمستهلكين لكي تحكمها قواعد محددة يتفهمها الجميع في نهاية الأمر.

الدول المنتجة والشركات العاملة في الحقل سواء المنتجة من الحقول أو التجارية تسعى إلى الإبقاء على الأمور على هذا النحو لأنها تخشى أن ارتفاعات حادة في أسعار الأسواق الفورية يمكن لها أن تحفز تحركات ومظاهر خوف في أسواق الطاقة الأحفورية العالمية، إذ قد يلجأ المستهلكون إلى إغراءات التخزين الادخاري أو إلى بدائل أخرى.

وفي الوقت ذاته الأسوأ هو أن بعض الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قد تقرر الاستفادة من ارتفاع الأسعار لرفع مستويات الإنتاج من حقولها. ومع ذلك، فإن من المدهش أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا رغم أنها تؤثر حالياً على إمدادات إلى الأسواق الغربية مباشرة وبمقادير كبيرة، إلا أنها تؤدي إلى ارتفاعات حادة في الأسعار وبشكل غير اعتيادي مثير للقلق.

إن الكثير سيعتمد على السرعة والاتجاهات والمجرى الذي ستسير وفقاً لها هذه الحرب، وما يحدث حالياً من اعتداءات على الملاحة العابرة لباب المندب والبحر الأحمر والزمن الذي ستستغرقه هذه الأحداث. لذلك، فإن الغموض هو سيد الموقف حالياً بالنسبة لتقلبات الأسواق، وسيعتمد على عوامل من قبيل إعادة روسيا ضخ النفط والغاز عبر الأنابيب المتجهة إلى أوروبا، والسيطرة على ما يحدث في باب المندب والبحر الأحمر، ورغبة دول الخليج العربي المنتجة للنفط والغاز في زيادة أو تخفيض ما تضخه في الأسواق العالمية، ورغبة المستهلكين من عدمها في تقليص مستويات الاستهلاك وقدرة الأسواق على التماسك في وجه الارتفاعات أو الانخفاضات الحادة في الأسعار.

وضمن صراع المصالح تدخل مسألة الاستثمار في القدرات الخاصة بالإنتاج وفحواها أن الاستثمارات التي تتم في القدرات وتوسعتها، سواء لإنتاج النفط والغاز وتصديرهما أو فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل الوطني للدول التي تعتمد على النفط والغاز كمصدر وحيد أصبح سبباً لصراع المصالح في صناعة النفط. 

*كاتب إماراتي