أنعم الله على المسلمين في أصقاع الأرض بشهر فضيل تميز باختلافه عن بقية الشهور، ألا وهو شهر رمضان المبارك الذي يمثل منحة إلهية، وهبة ربانية للعباد، وحدثاً دينياً روحانياً عالمياً يحتفي به المسلم وغير المسلم، ويكمن فضله في نزول القرآن الكريم فيه، ليتفرد بأهمية خاصة على الصعيدين الديني والاجتماعي.
لقد اختص الله، عزّ وجل، رمضانَ المبارك عن غيره من الشهور بعدد كبير من الخصائص، ففيه تُغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة لمن طرقها تائباً آئباً عابداً متعبداً طامعاً في زيادة حسناته واستثمار أعماله للخير والعطاء، وفيه ليلة فضَّلها الله تعالى على ألف شهر هي ليلة القدر التي تَصعد فيها الأعمال والدعوات دون حجاب، وتمثل فرصة للمسلمين للهداية والتقرب من الله، لقوله عزّ وجلّ: «شهرُ رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هدًى للناس وبيِّناتٍ من الهُدى والفرقان»، لذا فُرض الصيام خلال الشهر الكريم كشعبة عظيمة من شعب الإيمان ووسيلة لطهارته وعفافه وتدريب النفس على الصبر والعبادات المختلفة، والاستمتاع بنوع رفيع من نعم الله على خلقه بروحانية عالية مفعمة بالنفحات الإيمانية، وتوجيه المشاعر خالصة لرب العالمين.
لا تختلف طقوس العبادة في رمضان عبر العالم، ولكن العادات الرمضانية تتباين من بلد لآخر، وتجتمع على استقبال الشهر بالفرح والاستعدادات المكثفة، وتزيين البيوت والشوارع بالفوانيس والزينات والتواصل بين الناس وصلة الأرحام وتنويع الأطباق والأكلات الخاصة بهذا الشهر وموائد السحور والسمر والخيم الرمضانية المتميزة بالفرح والنغم الخاص وموائد الإفطار الشهية التي تجمع القريب والبعيد.. كل بحسب أطباقه ونكهاته الخاصة.
وعوداً على الطقوس الدينية، فالعالم الإسلامي يحيي شهرَ رمضان بالبذل والإحسان والصدقات والصلاة والدعاء والاعتكاف وتدارس القرآن، وتحري الأجر والمغفرة والخلاص من الذنوب، في هذه الأيام من خلال صلوات التراويح والتهجد وأصوات المساجد التي تملأ الأفق وتنيره. ويقصد كثيرٌ من المسلمين بيتَ الله الحرام في مكة المكرمة والأماكن المقدسة، خلال الشهر الفضيل، بغية التقرب إلى الخالق بالدعوات والصلوات في بيته المحرم وشهره المحرم، وزيارة روضة نبيه، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة.
وفي هذه السنة يمر شهر رمضان، وفي القلوب غصة مما يحدث في الأراضي الفلسطينية جراء الحرب القاسية وتبعاتها الإنسانية المؤلمة، لكن رغم المعاناة التي يعيشها أهالي القطاع في غزة فقد استقبلوا شهر رمضان بكل فرحة، وتداول رواد منصات التواصل الاجتماعي مواد مبهجة حملت شعارات «لن يسرقوا منا رمضان» و«الفرحة من بين الجراح». وفي مدينة رفح استقبل السكان رمضان بإقامة صلاة التراويح في مسجد الفاروق المدمر في أول ليالي رمضان، وأشعلوا القناديل في عتمة ظلام المكان، وحرصوا رغم كل الألم والوجع على إظهار البهجة بحلول الشهر الكريم، تعظيماً وتشريفاً له، وقد أظهروا حبهم له وتعلقهم به رغم كل الظروف.
وأخيراً.. يبقى رمضان على مر الزمن شهر الخير وموسم السلام وتآلف القلوب، وحبل المودة بين مَن انقطعت بهم حبالها، وفرصة المخطئين التائبين لتدارك الهفوات ورأب الصدوع وتصافي القلوب.. وكل رمضان وأنتم بخير.

*كاتبة سعودية