رحلة الأديب اللبناني الكبير «جبران خليل جبران» من قرية مشرّى إلى مدينة نيويورك رحلة مذهلة، فالفتى الفقير ابن العائلة البائسة عبر الأطلسي، وعبرت معه كل التحديات، ليصبح بعد قليل أحد أشهر الشعراء في العالم.
من نقطة اللاشيء، حيث البداية العدميّة إلى تزاحم المعجبين والمعجبات من قادة ونجوم العالم، استطاع جبران أنْ يبني حِصناً من الحزن، وقلعة من الألم، ليصعد إلى أعلى، ويخاطب العالم حكيماً عاش ألف عام.
لم يدر بخلد عائلته الهاربة من الجوع والخوف، بحثاً عن الحياة في العالم الجديد، أن عالميّة جبران ستصل يوماً إلى هذا الحد.
ارتبط جبران بعلاقة حبّ مع السيدة كورين روزفلت شقيقة الرئيس الأميركي، وذلك ضمن (12) قصة، كانت قصته مع الأديبة الشهيرة «مي زيادة» واحدة منها. ومن المثير أن جبران لم يلتق مي قطّ، وكانت القصة كلها سطوراً على ورق.
تواصلت عالمية جبران حين أصبح الرئيس جون كينيدي أحد قراء كتابه الشهير «النبي»، وأصبحت إمبراطورة اليابان «ميتشيكو»، والزعيمة الهندية «أنديرا غاندي».. في مقدمة المعجبات. ثم تواصلت الشهرة مع الإعجاب الذي أبدته الممثلة الأميركية مارلين مونرو، والتي كانت تقرأ كتاب «النبي» بانتظام، ثم إنها كانت تهدي نسخاً منه لأصدقائها المقربين، وتقرأ لهم مقاطع من الكتاب في بعض الأوقات.
أما الفنان الأميركي «ألفيس بريسلي» فقد كان يكتب ملاحظاته على هامش كتاب «النبي»، وظل يحتفظ بكتاب جبران قريباً منه معظم الأوقات.
وهكذا كانت الفنانة المكسيكية «سلمى حايك» التي تعود مثل جبران إلى أصول لبنانية، وقد أنتجت كتاب «النبي» فيلماً كارتونياً، تم عرضه على هامش مهرجان كان السينمائي عام 2014، وهو الفيلم الذي ضمّ (9) مخرجين من أبرز صناع الأفلام الكرتونية في العالم.
وقد أدى إعجاب فريق «البيتلز» البريطاني بكتاب جبران إلى شهرة عالمية بين قطاعات واسعة من الشباب. ثم كانت إقامة مدينة نيويورك التي عاش فيها جبران نصباً تذكارياً له تتويجاً لعالمية الأديب العربي الكبير.
تمرّ هذا العام (101) سنة على صدور كتاب جبران «النبي»، والذي هو درة التاج في أعمال جبران، وقد تمت ترجمته إلى أكثر من (100) لغة، ليصبح ثالث كتب الشعر مبيعاً على مرّ التاريخ. وفي الكتاب الذي يضمّ (26) قصيدة نثرية، يروي جبران على لسان «الحكيم» كل ما توصل إليه جبران من حكمة. إنه ليس كتاباً في الدين، وإلاّ كان خروجاً عليه، ولكنه كتاب في الأدب والفكر والفلسفة، وربما لو كان عنوانه «الحكيم» بدلاً من «النبي» لكان أكثر صواباً.
استفاد جبران من كتاب نيتشه «هكذا تكلم زراديشت»، كما استفاد من قيم الأديان السماوية، والتي كان مهبط الوحي لها جميعاً في العالم العربي، وعلى مقربة من نشأته، ثم إنه استفاد من مجتمعه ومحيطه، الذي كان يرصده جيداً، ويتأمل مزاياه ونواقصه.
قبل مائة عام أسس جبران «الرابطة العلمية» لأجل «تجديد الأدب العربي».. كان الأديب المتألق في المهجر لايزال يوجه ناظريه إلى المشرق، قلمه في نيويورك، وقلبه في بيروت، إبداعه في أميركا، ومشروعه في بلاد العرب.
كان جبران عميقاً حين قال وكأنه يشير إلى بلاده وعصره: «ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف.. وتخلو من الدين».!
*كاتب مصري