أستعير العنوان من رواية الكاتب الكبير ليو تولستوي «الحرب والسلام» والتي تدور أحداثها أثناء هزيمة نابليون في حربه على روسيا، إذ تتحول الحرب الروسية الأوكرانية سريعاً إلى مواجهة شاملة بين روسيا وحلف «الناتو»، مما ينذر بكارثة لا يمكن التكهن بعواقبها. ويعود ذلك إلى التطورات الأخيرة في مسار الحرب والتي أشرنا إلى بعضها عند بداية الأزمة، وبالأخص محاصرة روسيا، مع التركيز على محاولة الإضرار بعملتها «الروبل»، 
لكن بعد أكثر من سنتين جاءت النتائج عكسية تماماً، فالاقتصاد الروسي حقق العام الماضي أحد أفضل معدلات النمو في العالم بنسبة تجاوزت 3%، كما ارتفعت إيرادات النفط والغاز الروسية بنسبة كبيرة بلغت 90% لتصل 14.2 مليار دولار في شهر مارس الماضي، مقارنة بشهر مارس 2023.
ويشير ذلك إلى عدم فعالية آلية تحديد سقف مبيعات النفط الروسية بـ60 دولاراً للبرميل والتي أشرنا سابقاً إلى عدم جدواها، فالنفط الروسي يباع حالياً بأعلى من ذلك في الأسواق الدولية، إضافة إلى عدم التزام المستوردين الأساسيين، كالصين والهند، بذلك السقف الأوروبي، حيث فشلت الضغوط الرامية لإلزام دول العالم به، وهو ما دفع مساعد وزيرة الخزانة الأميركية للسياسات الاقتصادية «أريك فان نوستراند» للقول في نيودلهي بأن «واشنطن لم تطلب من الهند خفض مشترياتها من النفط الروسي»، علماً بأن الهند سوف لن تلتزم بذلك فيما لو طلب منها، حيث تُعتبر الهندُ إلى جانب الصين من أكبر مشتري النفط الروسي.
وفي نفس الوقت تزداد احتياجات دول الاتحاد الأوروبي للمنتجات النفطية الروسية المكررة، حيث ارتفع استهلاك ألمانيا من البنزين على سبيل المثال للعام الثالث على التوالي إلى 17.3 مليون طن في عام 2023 بزيادة قدرها 416 ألف طن عن عام 2022، وفق مكتب الاقتصاد الألماني، إذ تستورد ألمانيا ودول الاتحاد المنتجات الروسية المكررة من الدول الآسيوية، باعتبارها منتجات آسيوية معفية من العقوبات!؟ كما ارتفعت شُحنات الغاز الطبيعي المسال الروسية إلى أوروبا، وفق «بلومبيرغ»، وذلك رغم انخفاضها في خطوط الأنابيب عبر أوكرانيا وبحر البلطيق.
وتشكل هذه، وغيرها من التطورات التي لا تسمح المساحة هنا بالإشارة إليها وتحليلها، تحولاً مهماً في طبيعة الصراع الروسي الغربي ستكون له تداعيات استراتيجية سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة جداً، إذ سنكتفي هنا بالجانب الاقتصادي على نحو مختصر، حيث تهدد التحولات المذكورة مكانةَ الدولار، كعملة احتياط عالمية، وكمثال فإن حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا بلغ العام الماضي أرقاماً قياسية بعد أن تجاوز 200 مليار دولار، ويتوقع أن يصل إلى 300 مليار دولار في عام 2030، حيث كانت معظم هذه التعاملات تتم بالدولار قبل الحرب، إلا أن 90% منها تحول الآن للتعامل بعملتي الروبل واليوان بعد التخلي عن الدولار، وهو أمر انتشر أيضاً في تعاملات العديد من الدول، كالهند وجنوب أفريقيا ومصر والبرازيل ودول مجلس التعاون الخليجي.. في علاقاتها التجارية مع روسيا.
أما الجانب الآخر من هذا التحول فيكمن في تبلور تحالف اقتصادي عالمي جديد، كمنافس قوي للتحالف الاقتصادي الغربي الذي حافظ على هيمنته لأكثر من مئة عام، وهو من يحدد الأنظمة والقوانين وطبيعة المبادلات التجارية، إذ تراجع هذا التأثير بصورة كبيرة مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية. وما زال هذا التحول يسير بخطى وطيدة نحو تعددية قطبية، ليس اقتصادياً فحسب، وإنما سياسياً وعسكرياً كذلك، إلا أن التعدد الاقتصادي يعتبر الأول من نوعه، وهو ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية.
وبما أن دول «الناتو» تستشعر ذلك بقوة، فإن الأشهر الماضية شهدت تصعيداً خطيراً من جانبها في محاولة لزيادة الضغوط على روسيا لتحقيق بعض المكاسب، غير أن ما لم يتحقق بالعقوبات والمقاطعة الاقتصادية قد لا يتحقق عسكرياً مع دولة تملك قدرات نووية استراتيجية كبرى مدعومة بثروات طبيعية هائلة، ما يعني أن طريق السلام هو الطريق الوحيد المتبقي لتجنيب العالم كارثةً محيقةً، كما أشار إلى ذلك بصورة صحيحة بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس. 

*خبير ومستشار اقتصادي