بمبادرة كريمة معطاءة صدرت الأوامر من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بإطلاق المشروع الإنساني الخيري تحت مسمى «إرث زايد الإنساني» بقيمة مالية تقدر بحوالي 20 مليار درهم، تُخصص للأعمال الإنسانية في المجتمعات الأكثر فقراً واحتياجاً في العالم، وعلى مدار الكرة الأرضية. هذه المبادرة تأتي، ونحن نعيش الذكرى العشرين لرحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه الفردوس الأعلى من جناته، وهي ذكرى نستعيد فيها مآثر وأفضال، ومناقب مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.

وصحيح أن الشيخ زايد رحل عنا بجسده، لكن روحه الطاهرة وأفضاله على شعب دولة الإمارات، والأمتين العربية والإسلامية، وعلى شعوب الأرض كافة، من مشرقها إلى مغربها لا تزال تعيش في ضمائرنا، لتذكرنا دوماً وأبداً بأياديه البيضاء في خدمة البشر المحتاجين إلى المساعدة والعون أينما كانوا يعيشون، بغض النظر عن جنسهم أو لون بشرتهم، أو لغتهم، أو ديانتهم. لقد كان زايد رمزاً للإنسان العربي الأصيل الذي تتجسد فيه معاني الخير والعطاء والكرم والحس الإنساني المرهف الذي يشعر بهموم الفقراء والمحتاجين والمعوزين. المبادرة ذاتها ليست بالأمر الغريب، فهي تصدر عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي جبل ذاته على حب الخير للجميع. المهم في الأمر أن المبادرة تأتي سيراً على نهج زايد، واستلهاماً لقيمه في دعم كل ما ينفع البشرية جمعاء، وتخفف من آلامها ومعاناتها المعيشية، وتغيّر من حياتها نحو الأفضل، وترفع من شأن الإنسان ذاته قيمة ومحوراً للحياة على وجه الكرة الأرضية.

إن قيم زايد وشيمه في المجال الإنساني لا يمكن عدها أو حصرها، فهو ما إن تولى السلطة السياسية في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، ثم رئيساً لدولة الإمارات في 2-12-1971 وهو يعمل على جميع الجبهات لفعل الخير والعطاء، ومن أهم هذه الجبهات لديه هي العمل الإنساني، وإفادة البشرية جمعاء بكل ما يمكن القيام به لمساعدتها على النهوض من المآسي التي تمر بها. لقد كان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان  طيب الله ثراه، مفاهيمه الخاصة التي ينظر بها إلى العالم الخارجي، وإلى العلاقات الدولية لدولة الإمارات، فالعالم بالنسبة له عائلة إنسانية واحدة لها صلات وثيقة ببعضها، وبذلك كان ينطلق من فكرة واضحة هي أنه لا يمكن لأية دولة أن تعيش بمعزل عن هذا العالم، وعن الدول الأخرى، وإن كانت لديها المقومات اللازمة للعيش في عزلة تامة، كالثروة والقوة والإمكانات الاقتصادية، من زراعة وصناعة وخدمات. إن الدول تحتاج إلى جيرانها وأصدقائها والمتعاونين معها من الدول الأخرى، سواء كانت تلك الدول عظمى، أم كبرى، أم صغيرة وفقيرة.

وهي بالقدر ذاته تحتاج إلى التعاون الدولي والتبادل التجاري والصداقات والمثمرة مع دول العالم كافة، قريبة أو بعيدة عنها من النواحي الجغرافية والثقافية. لقد أنشئت الدول لكي تعيش في مجتمع دولي متكامل الأركان، ولكي تتعامل مع بعضها بعضاً، بغض النظر عن حجم تلك الدول، أو غناها، أو فقرها، أو مركزها ووضعها ضمن المجتمع الدولي. والدليل على ذلك أن أعظم دولة في العالم تحتاج إلى أصغر دولة، في مجال الطاقة على سبيل المثال، فالدول الصغيرة تملك ميزات ربما لا تتوافر لدى الدول العظمى والكبرى، خاصة على الصعد، الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية.

لذلك، فإن أفضل الوسائل لتعزيز التعاون الدولي والسلام العالمي هي أن تقوم الدول بمساعدة بعضها بحيث تقوم الدول الغنية بتقديم المعونات للدول الفقيرة والمحتاجة، فهذه سنة الحياة، وشرع الخالق في خلقه بأن جعل بينهم مودة ورحمة، ذلك هو ما جُبل عليه زايد، وما اختطه لنفسه ولدولة الإمارات في علاقاتها مع دول العالم، خاصة الفقيرة والمحتاجة والضعيفة. وعليه فإن مبادرة «إرث زايد الإنساني» تأتي لكي تؤكد وتعزز تلك المعاني السامية في فكر وتراث زايد الإنساني، فهي تجسيد لما اختطه لهذه الدولة سيظل باقياً في نفوس أبنائه، وبأنه وإن فارق هذه الدنيا الفانية إلا أن روحه الطاهرة ومعاني الخير والإحسان التي أرسى دعائمها باقية معنا، وفي عقولنا وأذهاننا. رحم الله زايد رحمة واسعة عرضها السموات والأرض، وأسكنه الفردوس الأعلى من جنات الخلد. كان إنساناً وقائداً ومعلماً وقدوة قلما أنجبت الأرض مثله.

*كاتب إماراتي