الخطر يزداد، وقدرة بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي على التعلم الذاتي تتنامى بمعدلاتٍ تثيرُ القلق. نسمع ونقرأ كل يوم تقريباً ما يعبّر عن هذا المعنى، وخاصةً منذ أن بات في إمكان بعض التقنيات الذكية توليد مُنتج جديد. ازداد القلق من الآلة الذكية بعد ابتكار تقنية «تشات.جي.بي.تي» في آخر عام 2022. وأدى الإعلان عن «بروفة» التقنية الجديدة «سورا»، التي تستطيع تحويل نص مدون في سطر واحد لفيديو قصير يتضمن عدة مشاهد، إلى خوف القلقين مما هو آت. وهذا خوفٌ مشروع، ويصح أن يؤخذ بجدية. لكن يتعين التمييز بين خوف طبيعي من آثارٍ سلبيةٍ للذكاء الاصطناعي، وخوفٍ مرضي «فوبيا». يوجد اتفاق عام على ضرورة تطوير وسائل للحد من آثارٍ سلبية مثل سهولة ترويج أخبارٍ مفبركة ومعلوماتٍ مضللة ونشر محتوى يحث على الكراهية أو يدفع إلى العنف. هذه آثارُ سلبية لا يُختلف على خطرها، وتُبذل جهود لتقليلها، لكنها لا تُقارن بالآثار الإيجابية غير المحدودة. أما ما يُعتبرُ أخطاراً كبرى يخشاها المُفرِطون في خوفهم فهي شيء آخر. فيها بعضُ المبالغات، أو كثير منها أحياناً.

لا يعتقدُ معظم العلماء أنه سيكون في إمكان بعض التقنيات الذكية الوصول إلى مرحلةٍ تسمحُ لها بالاستقلال عن صانعيها، فتتحولُ إلى خطرٍ على الكوكب. لكن بين الخائفين مَن يعتقدون أن هذا ممكن، بناءً على تصورهم لما قد يترتبُ على ازدياد قدرة التقنيات الذكية. يوجد فرق، إذن، بين خوفٍ طبيعي وآخر مرَضي. ويوجد أكثرُ من تفسيرٍ لتوسع المسافة بينهما، مثل الفرق بين مَن يعلمون أكثر ومَن يعرفون أقل، أو بين من يحرصون على التدقيق ومن يستسهلون التخويف مما يبدو غير مألوفٍ لهم. لكننا قد نجد تفسيراً أكثر تحديداً في الفرق بين عقلين ينتميان إلى عصرين مختلفين. فالعقل التقليدي، بخلاف العقل الحديث، يخشى الجديدَ في الأغلب الأعم، وخاصةً حين ينتج عن قفزاتٍ سريعة. وليست هذه المرة الأولى التي ظهر فيها خوفُه من قفزاتٍ علميةٍ وتكنولوجية كبيرة.

حدث هذا منذ اختراع الكهرباء والآلة البخارية في بداية الثورة الصناعية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر. وثمة أوجهُ شبهٍ مهمة بين الخوف من الآلة البخارية التي كانت بداية تحولاتٍ جذرية في الاقتصاد العالمي، والخوف من التقنية الذكية التي تُغيرُ وجهَ الحياة على الأرض. ومنها مثلاً الخوف من حلول الآلة محل البشر، ومن تطورٍ قد لا تتيسر سبل السيطرة عليه. لكن الخوف في بداية الثورة الصناعية كان أكبر، ونجد في رواية ماري شيلي المعروفة «فرانكشتاين» عام 1818، ما يعبرُ عن الخوف من تطورٍ كان صادماً حينذاك. تدور أحداثُ الرواية حول عالِم كبير (فيكتور فرانكشتاين) صنع مخلوقاً غريباً عن طريق توصيل أشلاء من جثث موتى بتيارٍ كهربائي. ولم يستطع ذلك المخلوق التكيف، فصار خطراً على البشر والعالم. وهكذا يبدو أن مشكلة العقل التقليدي مع التطورات العلمية الكبرى مستمرةٌ منذ بداية العصر الحديث، وليست وليدة هذه الأيام.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية