يركز الجانب الإسرائيلي على مراقبة ومتابعة السلوك الإيراني، بعد الضربة الإسرائيلية على أصفهان، وفي إطار محدد يستند إلى اتفاق قيادات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وداخل أجهزة المعلومات على أن القدرات الإيرانية العسكرية - برغم تطورها- سواء على مستوى المُسيرات، أو الصواريخ من مديات مختلفة تم تحديثها، خلال السنوات السابقة، لا تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومي الإسرائيلي برغم ما طرح بعد ضربة أصفهان لجملة من الاعتبارات، الأول: تملك إسرائيل أنظمة دفاعية كاملة من نوعية القبة الحديدية - والجاري تحديثها بالتشارك مع الولايات المتحدة - ومقلاع داوود والسماء الحمراء و«حيتس» وغيرها، ومن ثم فإن سماء إسرائيل مؤمّنة تماماً، وأن التعرض لأية مخاطر، أو تحديات من الجبهات المناوئة سيتم التعامل معه مباشرة، حيث لا تخوف من تعرض أمن إسرائيل لخطر حقيقي برغم ما يتردد في الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي لإسرائيل، ويستهدف بالأساس بناء مظلومية حقيقية، وللحصول على مزيد من الدعم الدبلوماسي والمعنوي لإسرائيل، وتأكيداً لنمط التحالف الغربي الإسرائيلي، دفاعاً عن القيم الليبرالية التي تمثلها إسرائيل. الثاني: إن حق الردع المشروع لإسرائيل تم بتوجيه ضربة أصفهان بصرف النظر عن الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس جو بايدن في الوقت الراهن من لجم الرد الإسرائيلي الذي جرى أو يجري التفكير فيه، خاصة أن التخوف الأميركي من امتداد الأمر من ثنائي متعدد الأطراف، ودخول الفواعل من غير الدول كميليشيات، أو فصائل للعمل بجوار إيران وارد، إضافة إلى دور محتمل، وبطريقة غير مباشرة من تنظيم «القاعدة»، و«داعش» بنسخه الإقليمية المختلفة، وكفرصة حقيقية لتأكيد استهداف إسرائيل بعد سنوات من التعايش معها، وعدم استهدافها باعتبارها الهدف البعيد، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات في الإقليم، وعودة موجة جديدة من الإرهاب في المنطقة، ما سيمس المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بأكمله. الثالث: إن الاستمرار في استراتيجية استهداف إيران كدولة في إطار مواجهات غير معلنة، أو فيما يعرف بحرب الاستخبارات بدرجاتها المختلفة ومستوياتها المتعددة، وهو ما يجري في صورة واضحة طوال السنوات الأخيرة، وطال العديد من الأهداف الحقيقية من استئناف تصفية بعض العلماء، ومجمعات نووية وأسرار التطور الاستراتيجي في منظومة الصواريخ والمسيرات، وغيرها. وبالتالي، فإن الدخول في مواجهة مستمرة بعد الضربات على أصفهان أمر غير منشود في ظل عشرات من السيناريوهات النظرية الموضوعة منذ سنوات، ولا تعمل علىها إسرائيل في الوقت الراهن في إطار تركيزها على الحرب السيبرانية في المقام الأول، ما يعطي الفرصة والإمكانية للانتقال من المواجهات إلى مستويات أخرى ومهمة، ومن دون أية صدامات مع الخارج، أو الظهور في دور الدولة الساعية لتوظيف القوة العسكرية في الإقليم بأكمله مع التقدير لطبيعة الخطر الإيراني. وبالتالي، فإن الإشكالية القائمة ليست مرتبطة بطرفي المعادلة إيران وإسرائيل فقط، بل أيضاً بالدول الغربية التي سمحت في مراحل معينة بحرية التحرك لإيران، في إطار مفاوضات مفتوحة، ومن دون إلزام حقيقي مما مكن إيران من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، والتحرير تدريجياً من الالتزامات الدولية، وتوظيف عنصر الوقت للوصول إلى درجة متقدمة متعلقة بالعتبة النووية، والتركيز على الانتقال إلى مرحلة أخرى من الأولويات المطروحة، والتي يعمل عليها علماء المجمع النووي الإيراني برغم أن شراء الوقت بالنسبة للسياسات الإيرانية في التعامل قد لا يفيد في مجمله في ظل احتمالات عودة الرئيس الأميركي السابق ترامب للسلطة، وهو أمر سيكون له انعكاساته الحقيقية على التعامل مع إيران، بل ومع إشكالية أمن الإقليم بأكمله، يتطلب مراجعاتٍ حقيقيةً لما يجري من الآن فصاعداً. الواضح أن السياسة الإسرائيلية ستعمل في مسارات محددة، ولا تخرج عن إطارها، وهي مسارات منضبطة تتعلق بما هو قادم من تحولات في الإقليم بأكمله، وتسعى لبلورة استراتيجية حقيقية لإسرائيل في مواجهة ما هو قادم من سيناريوهات قد تهدد الأمن القومي الإسرائيلي في مرتكزاته، وهو ما لن تسمح به المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بصرف النظر عما يجري من تباينات في الرؤى، سواء في مجلس الحرب الحالي، أو حتى داخل الحكومة الإسرائيلية الموسعة، والتي لا تختار ما بين تهديد أو آخر، ما بين ما يجري في قطاع غزة، وبين ما قد يجري في التعامل مع إيران، أو الجبهات المناوئة التي تمثل خطراً على أمن إسرائيل. ومن ثم، فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ستستمر في التعامل مع كل خطر أي كان مستواه، وأي كان سيناريوهات تعاملاته في الفترة المقبلة، وبالتالي فإن الإشكالية المطروحة لن تكون هل ترد إسرائيل على أي سلوك إيراني، أو أي تحرك مناوئ لا تريده، بل الأمر مرتبط بالفعل بقدرة إسرائيل على الردع، والانتقال تدريجياً إلى مستويات أخرى في التعامل، وردع الأطراف المناوئة، وهذا التوجه سيكون حاكماً للتعامل الإسرائيلي مع أي تحول، أو تطور قد يهدد أمن إسرائيل في الإقليم بأكمله.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية