«تحالف عاصفة الفكر» في نسخته السابعة اخترق العالم العربي للمضي به إلى عالم التكنولوجيا المعاصرة، للوقوف به على قدم صدق عند الأمم المتقدمة. وينقص العالم العربي البيئة المناسبة لتطوير العقلية التقنية والفكر القابل لاستيعاب هذا التسارع التقني في العالم الذي أسس بنية راسخة للتعامل مع متطلبات الزمن الذي لا ينتظر أحداً.
المعضلة في العالم العربي في تطوير الفكر، وليس في استيراد التقنية كسلعة وليس كعلم يمكن تملك أسراره، ومن ثم الإبداع فيه. العالم العربي لم يدرس تجربة اليابان وإن قام بطرحها في بعض ثنايا مناهجها الدراسية لسنوات طوال كنوع من الترف الثقافي.
«هوريشيما»، كانت دماراً لليابان، وفي نفس الوقت حافزاً للوصول بها للتفوق اقتصادياً على أميركا التي كانت سبباً، لذلك الدمار الذي لم يسمع عنه في التاريخ الأغبر ولا الحاضر، فالصين كذلك دمرتها بريطانيا بالأفيون، ولكنها أزاحت اليوم اليابان من المركز الأول في الاقتصاد. أيضاً كوريا الجنوبية، عانت من كوريا الشمالية لأكثر من نصف قرن، إلا أنها تركت جارتها وراءها ظهرياً، واليوم تنافس العالم المتقدم في كل وسائل التقنية المتطورة، والشمالية لا زالت تستجدي لقمة العيش من الصين، ومن شقيقتها في الجنوب.
لماذا نذكر هذه الأمثلة الصارخة، ونحن نتحدث عن مستقبل العالم العربي تكنولوجياً، كل تلك الدول تطوَّرت من رحم الأزمات إلا الدول العربية التي تخلفت أكثر مقارنة بالدول سابقة الذكر، ولم نعرج بعد على أميركا وألمانيا وسويسرا. العالم العربي لا يستطيع القفز هكذا بلا مقدمات إلى المستقبل، وهو لم يخلع فكره عن التعلق بالقرون الماضية، وهو تحد يجب معالجته بتغيير الفكر، وليس القفز أو الهروب إلى أشكال التقنية الباهرة بعيداً عن الجوهر الذي يحدث الفارق، ويفاجئ العالم المتقدم ذاته. في بعض أجزاء من العالم العربي، وخاصة في الخليج هُناك بوارق وإشراقات باهرة، كالإمارات التي تمشي بخطى واثقة، قد تتغيّر خلال عقد من الآن تكنولوجياً، بعد أن وضعت للذكاء الاصطناعي بنية أساسية تتواصل بنا إلى المريخ.
لكن ليست الإمارات كل العالم العربي في اتجاهها نحو المستقبل بما تزرعه اليوم من بذور الاستدامة، بل هي نموذج رائد على العرب الالتفات إليه، لأنه أثبت نجاحه لقرابة نصف قرن، فلا ينبغي لأي دولة عربية إدارة ظهرها عنها.
هُناك نقطة مهمة جعلت الإمارات في هذا الاتجاه، وهي لم تتخذ من التكنولوجيا هدفاً، بل وسيلة لخدمة الإنسان في الإمارات، وليس العكس، وهو سر النجاح في سعادته بالتقنية. من حق الشعوب في العالم العربي أن تخرج من شرنقة الحروب الأهلية الطائفية والخلافات البينية التي أنتجت إرهاباً وتطرفاً وعنفاً، وليس تقنية وتقدماً مع أنها مرت كبقية شعوب الأرض بالأزمات والحروب لعقود لم تفارق ديارهم حتى اللحظة، إلا أن الآخرين تقدموا في الوقت الذي لا زال العالم العربي يعالج جراح العقود سيئة الذكر.
العالم العربي الذي أنتج «الخوارزمي» «هو العالم الذي يتفاخر به أصحاب التكنولوجيا اليوم، وهو ذات العالم الذي يعيش الآن على طب «ابن النفيس». لا بد أن يعود العالم العربي، ليس إلى ماضيه ذاك، وإن كان في جانبه المشرق، بل لإضافة نكهته المميزة إلى العالم المتقدم في نسخته المعاصرة.
فالإنجازات دائماً تخرج من قلب التحديات، كلما كانت شاقة كانت المخرجات المستقبلية أصلب عوداً وأنفع للبشرية، وليس فقط لمستقبل العالم العربي وحده. هُناك حقيقة لا يمكن تجاوزها في رحلة المضي إلى عالم المستقبل التقني، وهي أن تطوير الفكر أهم من تطوير التقنية ذاتها، لأنَّ الفكر العالق بالماضوية الحالمة يدمر التقنية، وإن كانت نافعة، لأنه دائماً يركز على السلبيات رغم إمكانية الاستفادة منها.
فأي مستقبل هو زرع الحاضر، والماضي هو مجرد مرآة لتعديل المسار ولعدم الاصطدام بالثوابت في أي مجتمع وضع على كاهله همَّ المستقبل.
نحن اليوم أمام تجربة الإمارات في العالم العربي في مختلف القطاعات الرائدة، فالنظر إليها بعقل منفتح وعين بصيرة أمر مهم لاختصار الزمن والاستفادة القصوى من التجارب الحية للأمم.