عشية الانتخابات التي أعادته إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل عقد من الزمن، وعد بنيامين نتنياهو بـ«سحق» حركة «حماس» و«اجتثاثها» من قطاع غزة، وأعلن أنه «لن يكون ثمة مناص من إسقاط نظام حماس»، وحمّل الحكومة وقتئذ مسؤولية الفشل في «إنهاء المهمة».
لكن بعد عشر سنوات، ما زالت «حماس» موجودة. ورغم ضغط حلفائه المتشددين في عدة مناسبات لكي يرسل الجيش الإسرائيلي إلى غزة، فإن نتنياهو لم ينفذ وعده الانتخابي. مثلما لم تقصف حكومتُه المنشآت النووية الإيرانية، رغم أنه كان يؤيد ذلك من قبل. واقتصرَ التدخل الإسرائيلي في سوريا على ضربات جوية ضد مواقع إيرانية هناك، متجنباً الصدام مع نظام بشار الأسد أو روسيا. وحتى الأمس القريب قام في صمت بكبح بناء المستوطنات اليهودية خارج مناطق الضفة الغربية التي تطمح إسرائيل لضمها في أي تسوية سلام مع الفلسطينيين.
قد تقول إن نتنياهو هو ترامب إسرائيل، لكنه أذكى. غير أن ذلك كان قبل أن ينسج الرجلان ما يقولان إنها أقوى علاقة صداقة بين زعيمين أميركي وإسرائيلي. وبعد أن دافع عن سياسات ترامب لفترة طويلة، تبنى نتنياهو حيل الرئيس الأميركي في ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي. فهل سيتبنى الآن، تحت ضغط شركائه، التدابير التي كان يتجنبها دائماً؟ هذا أكثر ما يخشاه بعض الإسرائيليين بعد فوز نتنياهو الانتخابي الأسبوع الماضي.
الامتحان الحاسم لما إن كان نتنياهو قد تغير، هو ما إن كان سينفذ آخر وعوده الجامعة، وهو ضم أجزاء من الضفة. ففي مقابلة معه قبل ثلاثة أيام من الانتخابات، تعهد بـ«تطبيق السيادة» ليس فقط على الكتل الاستيطانية اليهودية الكبيرة قرب الحدود مع إسرائيل، ولكن أيضاً على «النقاط الاستيطانية المعزولة» الموجودة عميقاً داخل الأراضي الفلسطينية. وهو أمر من شأنه إنهاء إمكانية اتفاق بشأن قيام دولة فلسطينية، وإغراق إسرائيل في نزاع مع معظم بقية العالم، وإرغامها على الاختيار بين التضحية بهويتها اليهودية وأن تصبح دولة تمييز عنصري.
نتنياهو القديم ما كان ليرتكب مثل هذا الخطأ. فالعام الماضي فقط، عرقل «نتنياهو غير القديم جداً» مبادرات لضم أجزاء من الضفة. وحتى قبل 10 سنوات، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي العضوَ الوحيد في حزب «الليكود» الذي لم يؤيد علانية ضم معظم مستوطنات الضفة.
مشكلة نتنياهو، وربما فرصته، هي أنه لم يعد لديه «كابح الطوارئ» الذي كان الزعماء الإسرائيليون يستخدمونه لكبح التجاوزات: التهديد بقطيعة مع الولايات المتحدة. ذلك أن رفض البيت الأبيض هو الذي منع إسرائيل من قصف العراق خلال حرب الخليج، وهو الذي لعب دوراً في منع ضربة إسرائيلية على إيران خلال ولاية أوباما الأولى. ثم إن أوباما، ورؤساء أميركيين قبله، كبحوا جزئياً بناء المستوطنات الإسرائيلية.
الآن، يجد نتنياهو في ترامب رئيساً أميركياً يثير مشاعر القومية الإسرائيلية ويؤججها. فباعترافه بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان الشهر الماضي، أقنع ترامب اليمين المتطرف الإسرائيلي بأنه لن تكون ثمة معارضة جدية لضم الضفة. ومما زاد تشجيع اليمين الإسرائيلي الشهادة التي ألقاها الأسبوع الماضي أمام الكونجرس وزيرُ الخارجية مايك بومبيو، الذي رفض القول ما إن كانت الولايات المتحدة ما زالت تؤيد دولة فلسطينية. كما رفض متحدث باسم الخارجية الأميركية التعليق على وعد تعهد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة.
بعض المراقبين يأملون أن يمنع ترامب عملية ضم إسرائيلية عبر إصدار خطة السلام في الشرق الأوسط التي أعدّها جارد كوشنر والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جايسون غرينبلات. لكن روبرت ساتلوف، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، يرى أن ذلك سيمثل الشرارة الأخيرة بالنسبة لنتنياهو. إذ من شبه المؤكد أن الخطة ستقابَل برفض الفلسطينيين، الذين فعل ترامب كل ما بوسعه لعزلهم وتهميشهم.
وحينما يقول الفلسطينيون «لا»، فمن المرجح أن يطالب شركاءُ نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف بتنفيذ وعد الضم. ووقتها سنعرف ما إن كان زعيم إسرائيل المخضرم قد تبنى حقاً سياسات ترامب متجاهلا العواقب هو أيضاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»