أثار عالم الأحياء «بنجامين ماين» اهتماماً إعلامياً كبيراً من خلال أبحاثه التي أظهرت أن عمر الإنسان الطبيعي هو 38 عاماً. فإذا كان محقاً، ستكون التداعيات هائلة. بادئ ذي بدء، علينا إعادة التفكير في نظام الرعاية الصحية الخاص بنا برمته. فهذا النظام يعتمد على افتراض (ربما يكون غير واقعي) بأن الوفيات التي لا تنتج عن حادث أو عنف تكون بسبب المرض، وأن جميع الأمراض يمكن التغلب عليها بإجراء ما يكفي من الأبحاث الطبية.
فماذا لو كنا، بدلا من ذلك، مبرمجين لأن نموت قبل أن نتقدم في العمر بما يكفي لحدوث أزمة منتصف العمر؟
ليس بهذه السرعة. فالحد الأقصى البالغ 38 عاماً يأتي من نظام أنشأه ماين وزملاؤه لتطبيقه على جميع الفقريات، بدءً من كائن يبلغ عمره 2.1 عام، إلى قرش جرينلاند الذي يعيش 400 عام.
وقام الباحثون بمعايرة الساعة الجينية للشيخوخة باستخدام الحيوانات التي تم الاحتفاظ بها في الأسر، والتي تم تسجيل أقصى عمر لها في قاعدة البيانات. فأقصى عمر للإنسان يبلغ نحو 120 عاماً، لكن هذا مستبعد من بيانات المعايرة الخاصة بهم لأنه شاذ للغاية. ووفقاً للبحث، الذي أصدرته مجلة «ناتشر ساينس ريبورتس»،»هذا لا يعكس التباين في متوسط العمر الحقيقي على مستوى العالم (والذي يتراوح من 60.9 -86.3 سنة)».
فإذا كان لدينا رقم قياسي يبلغ 120 عاماً، «ومتوسط عالمي حقيقي» يبلغ 61-86 عاماً، فكيف يكون العمر الطبيعي للبشر 38 عاماً؟ ربما يكون هذا الرقم منطقياً من بعض النواحي.
لقد كان سقراط في السبعين من عمره عندما توفي، وكان لا يزال قوياً لدرجة أن أعداءه اضطروا إلى قتله بالسم. واستطاع بنجامين فرانكلين، الذي أشار إلى أن دواء القرن الـ 18 كان مضراً أكثر منه نافعاً، العيش حتى بلغ 84. وتظهر السجلات التاريخية أن وتيرة الشيخوخة البشرية كانت على حالها منذ 2000 عام.
أحياناً يخلط الناس بين الموت من الشيخوخة ومتوسط العمر المتوقع، الذي كان منخفضاً للغاية بالنسبة للبشر لفترة طويلة. تذكروا أن متوسع العمر المتوقع هو متوسط، ولقرون كان يتضمن عدداً غير متناسب من الرضّع. قبل الطب الحديث، كان الرضّع والأطفال يموتون غالباً بسبب العدوى أو سوء التغذية أو العيوب الخلقية، وكان المواليد الجدد وكذلك الشابات يموتون من مضاعفات الولادة. وفي عام 1907، كان متوسط العمر المتوقع 46 عاماً، بيد أن هذا لأنه كان من الروتيني أن يموت الأطفال –وليس لأن أي شخص يموت بسبب التقدم في العمر حتى السادسة والأربعين. وكان الأشخاص الذين ينجون من مخاطر الطفولة أكثر احتمالا للعيش حتى سن متقدمة.
وتبدو الحياة الحديثة سبباً للوفاة بقدر ما هي سبب للنجاة. فالأمراض التي تقتل معظم الناس الذين تزيد أعمارهم عن 55 هي أمراض القلب والسرطان، وكلاهما، كما قيل لنا، سيكونون أقل تفشياً إذا قام الناس بمزيد من التمرينات وتجنبوا التدخين وتناولوا قدراً أقل من الأطعمة المصنعة والسكر وشراب الذرة الغني بالفركتوز. حتى الزراعة تبدو أنها نعمة ونقمة في آن واحد: فقد وجد علماء الآثار المتخصصون في الطب أن الأشخاص القدامى من المجتمعات الزراعية كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض أو سوء التغذية.
يقول ماين، الذي يعمل في هيئة البحوث الأسترالية (منظمة الكومونولث للبحوث العلمية والصناعية)، إن نظامه يعتمد على علامة معروفة للشيخوخة تسمى «مثيلة الحمض النووي» – تغيير في المادة التي تتحول إلى الحمض النووي الخاص بك.
بمرور الوقت، تتراكم خلايا مثيلة الحمض النووي. ويتفاوت الحمض النووي لمختلف الأنواع في عدد المواقع المعرضة لتراكم الخلايا المثيلة – وكلما زادت هذه المواقع، كلما زادت سرعة التقدم في العمر. وعلاوة على ذلك، يوضح ماين أن الساعة الجينية للشيخوخة لدى الحيوانات مرتبطة بساعات التكاثر لديها. لذا فإن الحيوانات طويلة العمر وبطيئة التكاثر هي أكثر عرضة للانقراض.
يقول البروفيسور «إس جاي أولشانسكي»، الخبير في الشيخوخة بجامعة شيكاغو إنه من المهم أن نفهم أننا لسنا مبرمجين للوفاة في عمر معين. لكن جينات الأنانية لدينا تتعرض لضغط تطوري لزيادتها إلى الحد الأقصى – ما يعني أنك مبرمج للعيش طويلا بما يكفي لرعاية ذريتك حتى تصبح مكتفية ذاتياً بشكل معقول. وإذا كنت محظوظاً وتعتني بنفسك جيداً يمكنك الاستمرار لعدة عقود بعد ذلك.
والرعاية الصحية هي وسيلة للعيش فترة أطول وتخفيف المعاناة التي يمكن أن تستمر لسنوات لدى الأشخاص المصابين بأمراض تنكسية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست ووبلومبيرج نيوز سيرفس»