يجد بعض أعضاء منظمة التجارة العالمية أنه من المناسب لهم أن يقوموا بالتظاهر بأن كل ما هو مطلوب لإزالة العقبات التي تعترض الجولة الحالية من المباحثات التجارية، التي بدأت في العاصمة القطرية الدوحة عام 2001 وتستمر فعاليتها حاليا هنا في هونج كونج، هو أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم تنازلات كبيرة في المجال الزراعي·
وأفضل ما يمكن أن يُقال عن هذه الحجة التي تنطلق من المصلحة الذاتية هي أنها تعكس آراء حسنة النية ولكنها مفرطة في التبسيط بشأن العلاقات بين الزراعة والتجارة والتنمية· وفي الحقيقة أن هذه الحجة خاطئة من عدة نواحٍ، أهمها أن الاتحاد الأوروبي قد قام بالفعل بتقديم تنازلات مهمة في المجال الزراعي في العديد من المناسبات· فنحن في الاتحاد نقوم بتقليص الدعم المقدم للمزارعين الأوروبيين، وهو ما يمثل إصلاحاً مهما تم البدء فيه بعد اجتماع الدوحة، لكن تم التغاضي عنه ببساطة شديدة من قبل الآخرين·
ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة مشغولة بزيادة قيمة الدعم الذي تمنحه لمزارعيها العام الماضي، قمنا نحن بكسر ''التابو''، عندما عرضنا إلغاء كافة أنواع الدعم للصادرات، إذا ما قام الآخرون بنفس الإجراء بالنسبة لبرامج الصادرات الخاصة بهم· علاوة على ذلك قمنا منذ ما يقرب من شهر بتقديم مقترحات جديدة لتخفيض متوسط قيمة تعريفتنا الجمركية على الواردات الزراعية بنسبة 50 في المئة· ومنذ أسبوعين فقط قمنا بإجراء إصلاحات جذرية في سوق السكر الأوروبي وذلك عندما خفضنا قيمة الأسعار بمقدار الثلث·
لا خلاف على أن الاتحاد الأوروبي كان بحاجة إلى إصلاح سياساته الزراعية، ولكن يجب علينا أن نعرف أن أي قطاع زراعي لا يستطيع استيعاب سوى قدر معين من الإصلاحات في المرة الواحدة· فالحكومات -وعلى النقيض من المنظمات غير الحكومية التي ترفع أصواتها مطالبة بتخفيض الدعم- عليها مسؤوليات يجب عليها تحملها أمام مواطنيها الذين انتخبوها· والتغييرات التي شرعنا فيها بالفعل، تحقق في الوقت الراهن تأثيرا واسع النطاق على مناطق أوروبا الزراعية· فنتيجة لإصلاحات السكر على سبيل المثال فإن هناك منتجين في أيرلندا وفنلندا قد يخرجون من ساحة المنافسة· وفي الوقت الذي تبدأ فيه المحادثات الحالية، فإنه يجب على شركائنا في المفاوضات، ألا ينتابهم أي شك في أن جميع حكومات الاتحاد الأوروبي تتفق فيما بينها، على أنه لا يوجد هناك من الأسباب ما يدعو للتقدم أكثر بشأن موضوع التعريفة الزراعية· فهم جميعا يتفقون على أن الوقت قد حان كي يقوم الآخرون بالاستجابة من خلال اتخاذ خطوات في مجالات أخرى تضمنتها أجندة الدوحة، مثل تخفيض التعريفات الزراعية، وتحرير تجارة الخدمات كي تضاف إلى الخطوات التي خطوناها نحن· والدول الأوروبية على حق في ذلك· فالإجراءات التي نقوم بها والاقتراحات التي نقدمها في مجال الزراعة سوف تؤدي إلى فقدان عديد من الأوروبيين لوظائفهم· لذلك يجب على حكوماتنا أن تكون قادرة على إظهار أن صفقات التجارة العالمية، سوف تؤدي إلى إيجاد وظائف جديدة أكثر وأفضل في أوروبا أيضاً·
وأي صفقة تم التوصل إليها في مفاوضات تحرير التجارة بالدوحة لن تكون لها فعالية إلا إذا ما انتفع بها الجميع· وإذا ما كنا سنقوم بفتح أسواقنا الزراعية أكثر مما هو عليه الحال الآن، فإن شركاتنا ستكون في حاجة إلى العثور على فرص جديدة للتجارة والاستثمار في أسواق أخرى، بما في ذلك العثور على فرص تسويقية حقيقية للسلع والخدمات الصناعية في البلدان التي تمضي بقوة على طريق التنمية· فالبرازيل على سبيل المثال يجب أن تعرض القيام بتخفيض رسوم الاستيراد على السلع الصناعية، كما يجب عليها أيضا أن تتيح فرصاً أكبر لدخول أسواقها لمزودي الخدمات الأجانب، وأن تساعد على تأسيس آلية أكثر فعالية للمفاوضات التجارية التي ستجري بشأن الخدمات في المستقبل·
أما الهند فيجب أن تقوم بإجراء المزيد من التخفيضات على تعريفاتها الجمركية الخاصة بالسلع الصناعية مقارنة بما تقدمه حاليا· وفي الحقيقة أن الهند والبرازيل معها أيضا، بحاجة للاعتراف بأنه لا توجد فروق بين احتياجات الدول النامية، وأن هذه الدول يجب أن تنظر في المسألة الخاصة بما يتعين عليها القيام به من أجل تحسين الشروط التجارية للدول الأكثر فقرا، كقيامهما على سبيل المثال بالتحرك للدخول إلى مناطق معفاة من الرسوم ونظام الحصص·
والولايات المتحدة أيضا بحاجة إلى تعزيز مقترحاتها الزراعية عن طريق تخفيض أنواع الدعم الذي تقدمه لمزارعيها والتي تشوه وجه التجارة· كما يجب عليها أن تقوم بزيادة المعروض من فرص الدخول لأسواقها أمام مزودي الخدمات· وسوف نكون في غاية السعادة إذا ما حذا ''روب بورتمان'' الممثل التجاري للولايات المتحدة حذو نظرائه الأوروبيين وقام بمنح فرص للدخول إلى أسواق أميركا المعفاة من الرسوم والحصص وذلك أمام الصادرات القادمة من الدول الأقل تطوراً، مع القيام في الوقت ذاته بتخفيض الدعم الممنوح لمزارعي القطن لديها· ويمكن لأوروبا أن تستفيد من الدع