من المقرر أن تسافر وزيرة الخارجية الأميركية "كوندوليزا رايس" إلى منطقة الشرق الأوسط لعقد اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وقد أفادت وزيرة الخارجية الأميركية، أن الغرض من هذه الزيارة هو مناقشة المسائل المتعلقة بالوضع النهائي مع التطلع في الوقت نفسه إلى التوصل إلى اتفاق على أفق لإنهاء الصراع. بالنسبة للبعض، فإن هذا الأفق قد تأخر كثيراً عن موعده، رغم أنه الوسيلة الوحيدة التي يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين من خلالها معرفة كيفية إنهاء هذا الصراع، وكيفية مواجهة هؤلاء الذين يعارضون السلام. والكثيرون في الولايات المتحدة -ومنهم رايس- يرون أن بعض القادة العرب والإسرائيليين يشتركون في رؤيتهم لإيران كتهديد بالنسبة لهم معاً. وطالما أن الأمر كذلك، وطالما أن هناك رؤية مشتركة ومخاوف واحدة في هذا الخصوص، فالأمر المفترض هو أن تكون لدى هؤلاء القادة رغبة في القبول بالتسويات الضرورية والصعبة ورغبة في إنهاء الصراع الفلسطيني، وذلك للحيلولة بين إيران وبين استغلال الصراع من أجل خلق ولاءات لها في المنطقة، بهدف وضع المعتدلين العرب في موضع الدفاع. أما بالنسبة لرؤية أن إيران تمثل تهديداً مشتركاً، فتقديري هو أنها رؤية صحيحة. ولكن بناء السياسة على أساس هذه الرؤية فقط، يؤدي إلى تجاهل واقع إقليمي مهم. فهناك دول عربية ترى أن فطام "حماس" عن إيران أكثر أهمية من محاولة تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا ما نظرنا إلى الأمر من المنظور الإسرائيلي، فإن تحقيق السلام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، واستيعاب "حماس" (دون أن يتطلب ذلك من "حماس" تغيير موقفها المعادي نحو إسرائيل)، يشكل بالكاد أساساً للتعامل مع الفلسطينيين بطريقة ترضي السعوديين والمصريين والأردنيين. ومن بين الطرق ذات المفعول المؤكد في تهديد السلام الداخلي الفلسطيني، تلك الخاصة بالدفع باتجاه أفق سياسي سيعني حتماً اضطرار الفلسطينيين في النهاية إلى القبول بتسويات بشأن الموضوعات التي تمثل لب الصراع مع إسرائيل مثل اللاجئين والقدس. فأول سؤال يخطر في هذا السياق هو: هل ستوافق "حماس" على أي ترتيب يتم فيه التخلي عن حق الفلسطينيين في العودة؟ إن أي إطار سياسي يزعم واضعوه أنه يمكن أن يرسم الخطوط العريضة للمرحلة النهائية، سيتطلب تقديم مثل هذا التنازل... ولكن المشكلة هي أن "حماس" لن تقبل تقديمه، كما أنه ليس هناك أية آلية لإنتاجه. التنازلات لن تكون من جانب واحد بالطبع، وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل إسرائيل على استعداد للتفكير في تقديم تنازلات مؤلمة بشأن موضوع القدس والأراضي لحكومة فلسطينية تشارك في قيادتها الجماعة ذاتها التي ترفض الاعتراف بوجودها وترفض كذلك التخلي عن الإرهاب؟ إن النقطة التي أريد التدليل عليها من خلال ما تقدم، هي أن الخيارات المتاحة لصنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد تناقصت، وهو ما يعني بالتالي أن الجهود التي ستقوم بها "رايس" في المنطقة يجب أن تكون مبنية على ما هو ممكن، وليس على ما هو الأفضل. بالمفاهيم السائدة في الشرق الأوسط فإن "الممكن" يعني خلق حالة من السلام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، من جهة وتهدئة الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة أخرى. وسيستدعي ذلك التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار من خلال مفاوضات بين عباس وأولمرت. ومثل هذا الاتفاق سيتطلب إيقاف الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين، وإيقاف عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة والضفة الغربية. وفي مقابل ذلك سيتعين على الإسرائيليين أن يعملوا على إيقاف الغارات وعمليات القتل المستهدِفة وكذا الاعتقالات، وأن يقوموا -عندما يثبت الفلسطينيون أنهم ملتزمون بوعودهم- برفع نقاط التفتيش، وإعادة فتح المعابر، والسماح بدوران عجلة الاقتصاد الفلسطيني مجدداً. ومثل هذا الاتفاق سيختلف عن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، من حيث إن التفاوض بشأنه سيتم بناء على فهم واضح للأشياء التي تمثل انتهاكات، والعقوبات التي سيتم فرضها ضدها. قد تكون إسرائيل راغبة في القبول بصفقة مثل هذه، لأن "حماس" ستكون مضطرة في هذه الحالة إلى فرض وقف إطلاق النار على ناشطيها، والجماعات التابعة لها، وعدم الاكتفاء فقط بإعلان التزامها بذلك. وسيعني للمرة الأولى أن "حماس" تعمل من أجل منع "المقاومة"، وهو ما سيكون مؤشراً على أن عقيدتها الأساسية قد تغيرت! و"حماس" قد تكون راغبة في القبول بوقف إطلاق النار لسببين: أولهما أنها تريد مهلة أو فترة راحة. وثانيهما أنها، ونتيجة للمناخ الذي سيسود عقب ذلك والذي ستتحسن فيه الظروف الحياتية ويتم فيه تأجيل الصراع مع العدو، ربما ستعتقد أنها قد غدت في وضع يسمح لها بالحلول محل "فتح" وبالتالي السيطرة على المجتمع الفلسطيني. أما محمود عباس الذي طالما فضل التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، فقد يرى هو الآخر أن "حماس" ستتغير من خلال اضطرارها للالتزام بمسؤولياتها. وعلى أية حال، فإن التوصل لوقف شامل لإطلاق النار يمكن أن يغير المناخ السائد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن يقود إلى مفاوضات لبلورة الرؤية التي شن "أولمرت" حملته الانتخابية على أساسها، وهي الرؤية القائمة على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية. والفارق الوحيد بين الانسحاب المتضمن في الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه، وبين ذلك القائم على رؤية أولمرت، أن الأول لن يكون أحادي الجانب بل سيعتمد على أداء الفلسطينيين ووفائهم بالتزاماتهم الأمنية. لكن التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار لن يكون ممكناً بدون وساطة أميركية. لذلك يتعين التمسك برؤية "رايس" الأكثر طموحاً بخصوص رغبتها في إيجاد أفق سياسي للعملية. ولكن إيجاد ذلك الأفق سيتطلب منها أيضاً إقناع السعودية ومصر والأردن بقبول تنازلات علنية في المسائل الجوهرية، خصوصاً أن أولمرت وعباس قائدان ضعيفان: فعباس يحتاج إلى غطاء عربي إذا ما كان في نيته القبول بتنازلات تاريخية في موضوعات الأمن واللاجئين... فيما يجب على أولمرت أن يُظهِر أن العالم العربي قد قبل بتسويات غير مسبوقة إذا ما أراد أن يبرر أمام شعبه عبوره لهذه العتبة التاريخية بشأن القدس والحدود. وفي غيبة ذلك، فإن "رايس" ستكون بحاجة لتغيير أفقها، والاكتفاء بالعمل على تحقيق ما هو ممكن فقط في العالم العربي. دنيس روس منسق السلام الأسبق في الشرق الأوسط، ومستشار "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"