الركض وراء الثقافات الأجنبية والاعتماد على الأجنبي أو "عقدة الخواجة" كما يسميها البعض، سنظل نعاني من تبعاتها طالما ظللنا متمسكين بنظرية التفوق الغربي على حساب الكادر الوطني. وهنالك إبداعات وإنجازات شبابية كثيرة متميزة، يذهب كثير منها أدراج الرياح نتيجة هذه العقدة المتجذرة في كثير من شبابنا. ولا تزال عقدة الخواجة عند البعض هي عقدة الشعور بالضعف المعرفي والعقلي. وهو شعور مبني على أساس أن هذا الخواجة لديه من القدرات والمهارات الخارقة التي لا تتوفر لأحد غيره. وهذا بالطبع اعتقاد خاطئ وقد آن الأوان لكي نتحرر منه نهائياً والى الأبد. إن أمتنا العربية والإسلامية كانت صاحبة القيادة والريادة في عصور كثيرة خلت. ومدرسة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، تخرج منها رجال سادوا العالم شرقه وغربه. وتبعهم آخرون نشروا أساسيات علوم الهندسة والجبر والطب والفلك وغيرها من العلوم وقت أن كان العالم يرزح تحت براثن الجهل والتخلف. فهل غيرنا يعي ما يحتاجه أبناؤنا حقيقة من تربية وتعليم ونصح وإرشاد..؟ أيعقل أن يأتينا من لا يؤمن بعقيدتنا ولا يتبع شرعنا ليربي أبناءنا ويعلمهم أصول دينهم؟ وهل غيرنا يعرف كيف يغزل خيوط إرثنا المتأصل الممتد ويصنع نسيجاً تربوياً تعليمياً نباهي به العالم ويهتدي به غيرنا؟ أسوق مقدمتي هذه على خلفية موضوع طالعته عبر شبكة الإنترنت مفاده أن جامعة من أوروبا الغربية لها فرع في دبي، تقدم لشبابنا دعوة لدراسة المعاملات التجارية الإسلامية والعلوم المصرفية وفقاً للشريعة الإسلامية مقابل أموال طائلة يدفعونها نظير هذه الخدمة. وتسعى هذه الجامعة لاجتذاب الشباب بعدة وسائل رغم تكاليف دراستها الباهظة والتي تفوق 120 ألف درهم في العام حسب ما ورد في المقال! أليس ذلك مدعاة للتعجب والتساؤل في الوقت ذاته؟ وهل يصح فعلاً أن يأتينا الغربيون ليعلموا أبناءنا أصول شريعتهم الإسلامية، ونحن أهل الإسلام بل وأول من أسس وطبق فكرة المصارف الإسلامية على مستوى العالم كنظام بديل للصيرفة التقليدية؟ لقد أنشانا بنك دبي الإسلامي والذي أصبح الآن منارة ورائداً لكل البنوك الإسلامية التي تلته والتي وصل عددها (حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي) إلي ثلاثمائة مؤسسة إسلامية حتى عام 2005. ولم نكتف بذلك بل أسسنا أول شركة تأمين إسلامية، واتبعناها بجامعة عالمية بالاتصالات الحديثة لكل الراغبين في التعليم المتواصل وفي تجديد معلوماتهم واكتساب الخبرات الحياتية المعاصرة، وهي جامعة تهدف إلى تطوير كفاءة وإبداعات الطلاب وتخدم في الوقت ذاته كافة الناس بمختلف أجناسهم وأعمارهم وفي كل ومكان، إذ بمقدور الراغب أن يتلقى علومها أينما وجد، وتستطيع ربة البيت التي تعذر عليها اللحاق بقطار التعليم، أن تواصل مسيرة تعلمها من داخل مطبخها دون مشقة أو عناء. وتضم الجامعة خمس كليات هي كلية المصارف الإسلامية وكلية الاقتصاد والتجارة وكلية الإدارة والقيادة وكلية المحاسبة وكلية الحاسوب ونظم المعلومات. وما نحن بصدده هو كلية المصارف الإسلامية والتي تزاول نشاطها منذ أكثر من خمس سنوات وينتظم فيها طلاب كثر من داخل الدولة وخارجها، غير أننا نلاحظ عزوفاً من طلاب الداخل ونفتقد تواصل الراغبين من داخل الدولة في هذا النوع من الدراسة، بينما طالعت في المقال أنهم يتدافعون نحو الجامعة الغربية المشار إليها أعلاه. فأي عقل يمكن أن يصدق ذلك؟ أن تطلب تعلم أساسيات معاملاتك الإسلامية ممن ليس الإسلام عقيدته؟ حينما اعتمدنا كلية المصارف الإسلامية في "جامعة آل لوتاه العالمية"، قصدنا بذلك أن تكون مكملة لرسالة "بنك دبي الإسلامي" لإبراز مكانة الاقتصاد الإسلامي ودوره الهام الذي يقوم به في المعاملات المصرفية على ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة. لذلك فان الكلية تهدف إلى إعداد الموظفين العاملين في هذا المجال إعداداً شاملاً وتطوير رسالة المصارف الإسلامية في تعاملها مع جميع المستجدات بجانب تيسير جريان معاملاتها المصرفية مع المؤسسات التجارية المتنوعة. هذا بجانب أن الكلية تعمل على ترسيخ فكرة المعاملات الإسلامية وتأصيلها وفقاً للشريعة الإسلامية والتعامل مع متطلبات العصر وتحدياته المالية والتجارية والمصرفية. شبابنا، وهم عماد مجتمعاتنا، مطالبون بضرورة الاعتداد بأنفسهم والثقة في مقدراتهم وإمكاناتهم الهائلة المتميزة. ومطالبون أكثر من أي وقت مضى بألا يركنوا لكل ما هو غريب عن تعاليمنا السمحة ومعتقداتنا الأصيلة. إن موروثنا العربي والإسلامي غني وقوي ومتين وعلى قدر التحدي، وكل ما نحتاج إليه هو أن نصحو من هذه الغيبوبة وننفض عنا غبار التبعية والتقليد ونعيد لإرثنا سيرته الأولى. عندئذ سوف يكون لنا القدح المعلى وتعود لنا السيادة والريادة في كل شيء كما كان الحال وقت ازدهار حضارتنا العربية والإسلامية. وبدلاً من أن نركض خلف الأجنبي نطلب الخبرة والنصح والمشورة، سيسعى هو لنيل رضانا وسنعطيه ما أبدعناه وما قمنا بتطويره في صناعته وصياغته. ولنجعل من أسلافنا، أساطين العلم الذين وضعوا أساس مختلف العلوم ومبادئها، قدوة لنا. فجابر بن حيان والرازي وابن سيناء وابن رشد... كانوا أعلاماً عرف الغربُ مكانتهم حق المعرفة. ونهل من معين علمهم وطوره ثم صدره لنا بصورة مغايرة ومغلفة لا تنسجم- في أحيان كثيرة- مع ما يحتاجه أبناؤنا لتطوير ذاتهم، بل جعلتهم محنطين لا مجال أمامهم للحركة والتفكير والإبداع. ختاماً نقول إن لدينا جامعة عالمية عبر شبكة الإنترنت متاحة لكل من يرغب في مواصلة تعلمه. والعلم كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من المهد إلى اللحد. والجامعة تستمد قوتها من نظامها الأساسي المتقن وكادر أساتذتها المتميز، فهم يتابعون طلابهم عبر الشبكة الإلكترونية والتي يغذونها على الدوام بأحدث المعلومات والتقنيات والبرامج المتخصصة. والى جانب ذلك تعمل الجامعة تحت مظلة الرابطة العالمية للتربية والتعليم، والتي تضم إلى جانب المؤسسة الإسلامية، الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وتعتمد الرابطة شهادات الجامعة سواء في البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه. ونحن ندعو شبابنا الراغب في العلوم والمعرفة والاستزادة منهما، أن يتوجهوا نحو كل ما هو مرتبط بأصولهم العربية والإسلامية ذات الثقافة العريقة الراسخة والمستمدة من ديننا الحنيف. وندعوهم إلى عدم الاستخفاف والاستهانة بقدراتهم وإمكاناتهم الهائلة، والتي نعلم أنهم لو وظفوها بتفكر وتدبر، لصاروا قادرين على تذليل كافة الصعاب وعلى قهر المستحيل. فأصلهم ثابت ومنبتهم طيب، وقد رضعوا من ثدي الأصالة والتراث وتغذوا بالتاريخ الشاهد على أن لنا الصدارة دون العالمين. ولتكن قدوتنا في حكامنا وكثير من شباب دولتنا، فقد أوصدوا باب التقليد والتبعية إلى غير رجعة.