علينا أن نتوقع سماع الكثير عن الصين، خلال الفترة الزمنية الواقعة بين أولمبياد بكين والسباق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة. ففي العاصمة واشنطن، وكذلك في الحملة الانتخابية الرئاسية، كثيراً ما يُنظر إلى بكين باعتبارها خطراً على بلادنا، بينما يصور تسارع نموها الاقتصادي، على أنه مؤشر على تخلف بلادنا عن ركب الاقتصاد العالمي، أو أنه يمثل خطراً علينا. غير أنه ليس بالضرورة أن تنطبق النظرة السلبية نفسها، على عامة الأميركيين. فقد أظهر استطلاع أخير أجرته مؤسسة "زغبي العالمية" لاستطلاعات الرأي، أن نسبة 52 في المئة من عامة الأميركيين تنظر نظرة إيجابية إلى الصين، بينما لا تزيد نسبة أعضاء الكونجرس الذين يحملون النظرة ذاتها على 35 في المئة فحسب، ومن هذه النسبة نفسها، يرى 68 في المئة منهم –خطأً- أن للأميركيين موقفاً سلبياً تجاه الصين. والحق أن عامة الأميركيين قد أصابت في حكمها على الصين، أكثر مما فعل ساستها. ذلك أن علاقة بلادهم بالصين ليست صفراً كما يرى بعض القادة. فهي شأنها شأن بقية القوى الدولية الأخرى، مثل الهند وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان، شريك لنا أكثر من كونها مهدداً أو خطراً علينا. ولا تنحصر حدود هذه الشراكة في الجوانب الاقتصادية وحدها، إنما تتداخل كثير من قضايانا وهواجسنا الأمنية معها أيضاً. فعلى سبيل المثال، تقدم لنا الصين عوناً كبيراً في حماية سواحلنا وشواطئنا من التعرض للهجمات الإشعاعية الإرهابية، عن طريق سماحها لبلادنا بنشر مراقبين أميركيين في موانئ شانغهاي وهونغ كونج وشينزين، التي تعد نقطة انطلاق لثلاثة ملايين حاوية بحرية سنوياً إلى سواحل بلادنا الغربية. وسواء رضينا أم أبينا، فإننا نعتمد اعتماداً كلياً على الصين، في حماية بلادنا من انتشار الكثير من الأوبئة الاستيطانية القادمة من القارة الآسيوية، مثل أنفلونزا الطيور، وغيرها. ولم يكن لواشنطن أن تقنع كوريا الشمالية بتفكيك ترسانتها النووية، والتخلي عن البرامج النشطة المرتبطة بها، دون التعاون النشط والفعلي من جانب جارتها بكين. أما في الجانب المناخي البيئي، فتقف واشنطن وبكين معاً باعتبارهما جزءاً من مشكلة التغير المناخي العالمي وحلاً لها في آن. وكلما تنامى نفوذها العالمي، كلما ازداد الدعم الذي تقدمه بكين لخصوم واشنطن، من شاكلة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، وصدها للخطط الأميركية التي لا تخدم مصالحها، على نحو ما نرى في مواقفها المعارضة لفرض أي عقوبات دولية على إيران. بيد أنه من الخطأ الفادح، الاعتقاد أنها تمثل تهديداً عسكرياً مباشراً لأمن بلادنا. فهي لا تزال أبعد من أن تكون مهدداً كهذا، على امتداد عدة عقود قادمة. وبما أن لكل من الصين والولايات المتحدة الأميركية ترسانتهما النووية، فإن المرجح لهذه الأسلحة الخطيرة أن تكون أداة للردع النووي المتبادل فيما بينهما، على نحو ما حدث خلال حقبة الحرب الباردة. بل إن هذه المساحة السلمية نفسها تظل قائمة، حتى في حال الأخذ باعتبار المواجهة المحتملة فيما يتعلق بتقرير مصير تايوان، بين بكين وواشنطن. فمثلما تكرر في تاريخ المجتمع البشري من تواتر نشوب الحروب الفاقدة لمعناها في مختلف الحقب والعصور، فإن مواجهة عسكرية بين واشنطن وبكين لا يمكن استبعادها مطلقاً، إلا إن علينا أن نتصور مدى فداحة الخسارة الأمنية والاقتصادية التي سيتكبدها عالمنا في حال وقوع مواجهة كارثية كهذه! بل حتى في مجال المنافسة الاقتصادية الحادة مع الصين، حيث تشيع الأنباء عن كيفية تلاعب الصين بعملتها "اليوان"، وكيف تنهمك بكين في شراء شركاتنا ومؤسساتنا الاستثمارية، وكيف تسرق وظائفنا وقوت أطفالنا، تظل صورة الصين أكثر إيجابية مما ترتسم في مخيلة الساسة الأميركيين. فبالمنطق الاقتصادي، لا يصب نمو الصين إلا في صالح نمو اقتصاد بلادنا في نهاية المطاف. والذي يدعم هذه الحقيقة، أن التجارة المتبادلة بين بلادنا والصين، قد انعكست إيجاباً وبدرجة كبيرة، أو لنقل متوسطة على أقل تقدير، على نمو إجمالي ناتج بلادنا المحلي. فمن تقديرات "مورجان ستانلي" على سبيل المثال، أن الواردات الصينية الرخيصة، قد أسهمت في زيادة عائدات الفئات الاجتماعية الأميركية المنخفضة الدخل، بما يعادل 600 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية. وفي الحقيقة، فإن الكثير من الانتقادات الموجهة إلى الصين ،لا تصمد أمام المنطق والحقائق العلمية. فإذا ما نظرنا إلى الانتقادات الموجهة إليها فيما يتعلق بتهجيرها لوظائفنا وسرقة قوت عمالتنا المحلية، نجد أن الأرقام الإحصائية، لا تشير إلا إلى نسبة 2 في المئة فحسب، هي مجموع الوظائف الأميركية التي خسرتها الولايات المتحدة، لصالح العمالة الأجنبية إجمالاً. وإن كان للولايات المتحدة أن تتفادى خطر حدوث ركود اقتصادي عالمي، فإن أحد أسباب هذا التفادي دون شك، يعود إلى دينامية وحيوية اقتصادات عالمية أخرى، من بينها وفي مقدمتها الاقتصاد الصيني. والأهم من ذلك كله، رغبة الصين الجادة في أن تستثمر أموالها وأرصدتها في بلادنا. وأخيراً لا بد من القول إن الصين ليست منافساً أيديولوجياً لأميركا. ذلك أنها تفتقر أصلاً لأي أيديولوجية متماسكة يمكن لها تصديرها إن أرادت، فيما عدا أيديولوجية "أظهروا لي المال". ولئن كنا محقين في انتقادنا لتعاون الصين مع عدد من الأنظمة الشمولية الباطشة، فإن علينا أن نعترف بأنها لا تنفرد وحدها بهذا السلوك. بل علينا الاعتراف بمحدودية دورنا وتأثيرنا على تحسين أدائها السياسي إزاء شعبها أولاً وقبل كل شيء. ولا تزال لدينا قدرة التأثير الإيجابي هذه على شريكنا الصيني، ونحن مقدمون على عامنا الانتخابي الرئاسي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نينا هاشيجيان: مديرة مركز "American Progress بولاية كاليفورنيا. منى ساتفين: مديرة الاستشارات الاستثمارية لشركة "Stonebridge "International ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"