بعد خمس سنوات على غزو الولايات المتحدة للعراق، يعتقد كثير من الناس أن الحرب إنما شُنت في المقام الأول من أجل تأمين الإمدادات النفطية الأميركية وجعل العراق مكاناً آمنا ومربحاً لصناعة النفط الأميركية. والواقع أننا ربما لن نعرف الدوافع الحقيقية التي كانت وراء حرب العراق إلا بعد سنوات، غير أنه يبقى من الصعب فصل أو استبعاد النفط عن جميع الاحتمالات. وذلك لأن مجتمعنا واقتصادنا نشآ على النفط الرخيص، ولأن الفكرة القائلة بأن الأمن النفطي حقٌّ وضرورة، أصبحت جزءاً من الحامض النووي لسياستنا الخارجية منذ أيام روزفلت. والحقيقة أن حرب العراق نفخت خزائن شركات النفط الكبيرة في العالم. بيد أنها لم تجرِ وفق ما كان يتوقعه أي أحد. فبدلاً من جعل العراق اقتصاداً مفتوحاً يستفيد من قطاعٍ نفطي مزدهر، أخفقت أميركا في تأمين تدفق النفط من حقول العراق العملاقة. وبفضل تخريب المتمردين لأنابيب النفط ومحطات الضخ، ومخاوف الشركات الأجنبية، فإن البلد مازال يكافح من أجل رفع إنتاج النفط إلى مستويات ما قبل الحرب، وهي 2.5 مليون برميل يومياً! وكما يتضح، فقد بقي النفط العراقي بعيداً عن السوق العالمية في وقت أصبح فيه العالم بأمس الحاجة إلى الإمدادات قصد خفض الأسعار. هذا في وقت ازداد فيه الإقبال الصيني على الذهب الأسود، وتسبب الصراع السياسي في نيجيريا وفنزويلا في الحد من إنتاج النفط هناك. في غياب الإمدادات النفطية العراقية، تضاعفت الأسعار ثلاث مرات منذ الغزو الأميركي للعراق في مارس 2003، فقفزت أرباح الشركات النفطية الغربية الأكبر في العالم من 40 مليار دولار إلى 121 مليار دولار سنوياً. وبالتالي، فلئن كانت الولايات المتحدة قد تخلصت من صدام حسين ومن أي تهديد كان يمثله، فإن عائدات النفط ملأت خزائن الأنظمة الأوتوقراطية، مثلما هو الحال في إيران وفنزويلا وروسيا، مما قوى هذه الأنظمة وعقَّد مهمة الدبلوماسية الأميركية. والنتيجة هي أن المستهلكين الأميركيين يدفعون الثمن باهظاً في محطات الوقود. وفي هذا الصدد يقول "أنثوني كورزمان"، خبير الاستراتيجية الأميركية في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، والذي يعارض الافتراض القائل بأن الحرب شُنت دفاعاً عن مصالح الشركات النفطية: "إذا خضنا الحرب من أجل النفط، فإننا خضناها بشكل أخرق. ثم إننا أنفقنا على الحرب أكثر مما كان يمكن أن نحصل عليه من حقول النفط العراقية، حتى وإن كانت لنا عليها سيطرة ما". بيد أن ذلك لا يعني أنه لا توجد أي علاقة بين النفط والغزو. يقول كوردزمان: "أن نقول إننا كنا سنتخذ نفس الخطوات التي اتخذناها في العراق ضد ديكتاتور في أفريقيا أو بورما، إنما يمثل جهلاً بالحقائق الاستراتيجية التي حركت التصرف الأميركي". والواقع أنه توجد أكثر من صيغة واحدة لنظرية المؤامرة حول أسباب شن إدارة بوش "حرب النفط" هذه. وفي ما يلي اثنتان منها: الرواية الأولى: الرئيس بوش، رجل النفط السابق في تكساس، ونائبه تشيني، المدير التنفيذي السابق لشركة "هاليبرتون"، أرادا مساعدة أصدقائهما في عالم النفط، فسعيا إلى تنصيب حكومة موالية للغرب تدعو الشركات النفطية الكبيرة للعودة إلى العراق. ومما يقوله موقع منظمة تدعى "مستهلكون من أجل السلام" على شبكة الإنترنت، "إن "شركة إيكسون كانت في المطبخ مع تشيني عندما كان يتم طبخ حرب العراق". الرواية الثانية: ومثلما أورد مقال رأي في عدد أبريل 2003 من دورية "لوموند ديبلوماتيك"؛ فإن "الحرب ضد صدام هي حول ضمان الهيمنة الأميركية، وليس حول زيادة أرباح "إيكسون"". كاتب المقال "يحيى سداوسكي"، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية ببيروت، يجادل قائلاً: "لقد وضعت زمرة من المحافظين الجدد مخططا كبيرا لزيادة الإنتاج العراقي، وإغراق السوق العالمية بالنفط العراقي، بهدف خفض السعر إلى 15 دولارا للبرميل، وهو ما من شأنه تنشيط الاقتصاد الأميركي، وتدمير أوبيك أخيراً، وتوجيه ضربة للدول المارقة، مثل إيران وفنزويلا، وخلق مزيد من الفرص لتغيير الأنظمة". أما "برِنت سكوكروفت"، مستشار الأمن القومي في عهد جورج بوش الأب وأحد منتقدي قرار الغزو، فيقول: "عندما اتخذنا قرارنا بشأن الحرب، لا أذكر أنه كان للنفط دور كبير". لكن الأمر كذلك لأن القلق بشأن الإمدادات النفطية هو جزء من هندسة السياسة الخارجية الأميركية. إذ يشير سكوكروفت إلى أنه لا يمكن استبعاد عامل النفط لأن العراق وجيرانه يجلسون على ثلثي احتياطيات النفط العالمية. والواقع أن جميع الأميركيين جزء من تلك المؤامرة، فقد أنشأنا مجتمعاً يسرف في استهلاك الطاقة ويعتمد على النفط الذي صادف أنه بيد أنظمة غير مستقرة أو غير صديقة. فبذرنا مصادر الطاقة بدون الانتباه إلى العواقب الاستراتيجية لذلك، وبات صعباً ومكلفاً تغيير طرقنا وعاداتنا اليوم. مستشار تجاري ومسؤول سابق في ا"لمؤتمر الوطني العراقي"، يقول إنه حضر عدة اجتماعات في البنتاجون ووزارة الخارجية الأميركية، وإنه لم تتم في أي منها مناقشة السياسة النفطية لمرحلة ما بعد الحرب، ثم يضيف ذلك السياسي العراقي: "ينبغي ألا نضحك على أنفسنا. فالعراق يجلس على جزء كبير جداً من النفط، ويقع في منطقة مهمة جداً من العالم، وهو ما يجعله مهماً بالنسبة لمصلحة الأمن الأميركي... إن المعارضة العراقية... أدركت أن رواندا لن تحظى باهتمام القوة العظمى..."، إلى أن تكتشف رواندا النفط! ستيفن مافسن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خبير أميركي في شؤون الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"