في صمت وخوف أحيا العراقيون الذكرى الخامسة لسقوط بغداد وتحريرهم من الحكم الاستبدادي لصدام حسين؛ إذ بالرغم من أن التاسع من أبريل عيد وطني رسمي في العراق، فإن المحال التجارية في العاصمة كانت مغلقة والشوارع خالية بسبب حظر تجول طارئ أعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي هاجمَ قواتِ رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر، وهذا الأخير ابن طائفته، وذلك من دون إشعار حكومته أو حُماته الأميركيين. فهل يمكن أن تزداد الأمور سوءا؟ الجواب: أجل، وبخاصة إذا قامت واشنطن، باسم دعم حكومة المالكي المنتخَبة ديمقراطياً، بحشر قواتنا أكثر في معركة بين الفصائل الشيعية المتنافسة. لقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع لا تحسد عليه؛ حيث تقوم بتقديم الدعم لحكومةٍ عراقية تطلق النار على الشيعة أنفسهم الذين هدف الغزو الذي تم قبل خمس سنوات إلى تحريرهم. ويقول المسؤولون الأميركيون إنه لم تكن أمامهم خيارات كثيرة سوى دعم المالكي في حملته: ذلك أنه من دون دعم أميركا اللوجستي ونيران المدفعية والضربات الجوية من طائرات "أباتشي" المزودة بصواريخ "هيلفاير"- كان الأرجح أن الجيش العراقي سينهار في البصرة ويعلق داخل الأحياء الشيعية في بغداد أيضاً. ولكن العديد من العسكريين الأميركيين في العراق لم يخفوا استياءهم على اعتبار أنه زُج بهم في مواجهةٍ غير مخطط لها بشكل جيد، في أفضل الأحوال، وصراع شيعي- شيعي على السلطة يهدد بتقويض التقدم الملحوظ الذي تحقق بفضل الزيادة التي أمر بها الرئيس بوش في عدد القوات الأميركية داخل العراق، في أسوئها. وقال لي مسؤول عراقي رفيع المستوى إن المالكي، من خلال مطالبته لقوات الصدر وجميع الميليشيات الأخرى بأن تفكك نفسها وتسلم أسلحتها، إنما يدافع عن حكم القانون، ويسعى لفرض احترام سلطة الحكومة المركزية. والحال أن المالكي قد يكون ارتكب خطأ فادحاً بمهاجمته قوات الصدر في هذا الوقت. فربما يكون خصمه الشيعي الشاب قائدَ ميليشيا لا يرحم، ولكنه أيضاً رجل داهية، مثلما أظهرت للأسف اشتباكات دموية سابقة. ثم إن "جيش المهدي" التابع للصدر، والذي يريد أن يضاهي ميليشيا أخرى تدعمها إيران -"حزب الله" في لبنان- بذل جهوداً أكبر من تلك التي بذلتها الحكومة في سبيل تخفيف معاناة الشيعة، حيث وفر لضحايا الحرب الشيعة السكن والطعام وخدمات أخرى. كما يتمتع الصدر بتعاطف ودعم الكثير من الشيعة عبر العراق نظراً لنضال عائلته المرير ضد صدام، ومعارضته لـ"الاحتلال" الأميركي. وبالتالي، فإن خطوة المالكي قد تفتح جولة جديدة من الاقتتال الشيعي- الشيعي في المشهد السياسي العراقي المتصدع أصلاً ربما لن يكون قادراً على الفوز فيها. في بغداد، يتفق الجنود الأميركيون والعراقيون المؤيدون للأميركيين على أن زيادة عدد القوات الأميركية أدت إلى ما يمكن تسميته بـ"جندية الأهالي"؛ حيث بات عدد القوات الأميركية كافياً لضمان حضورٍ في كل حي وكل شارع، وهو ما شجع السُنة على الانقلاب على "القاعدة" والمتطرفين الآخرين الذين كانوا يخشونهم في السابق. والحال أن العامل الآخر الرئيسي في النجاح العسكري لـ"الزيادة" هو بكل تأكيد وقف إطلاق النار الذي أعلنه الصدر في سبتمبر الماضي، والذي وفى به إلى أن هاجم المالكي البصرة. وبينما نتأمل خلاله -نحن الأميركيين- خياراتنا في الانتخابات المرتقب إجراؤها في الخريف المقبل، يجدر بنا أن نطرح عدداً من الأسئلة حول ما رأيتُ في العراق، ومن ذلك: لماذا لا تنفق حكومة المالكي المزيد من مواردها الكبيرة على الأحياء الفقيرة التي يَستغل مقتدى الصدر بؤسَها سياسياً؟ ولماذا لا يبذل المالكي جهوداً أكبر لإعادة إعمار العراق وتوفير الخدمات الأساسية؟ ولماذا لا تمارس واشنطن ضغوطاً أكبر عليه لكبح الفساد الذي يعيق استرجاع العراق لعافيته ويُغضب السُنة والشيعة على حد سواء، والذين لا يرون تحسناً كبيراً في حياتهم اليومية؟ ثم هل من مصلحة أميركا، الآن وقد تأسست "مجالس الصحوة" السُنية لمحاربة "القاعدة" ومثيلاتها، أن تُعرِّض هذا التقدم للخطر عبر تغذية وإذكاء صراعٍ داخلي على السلطة بين شيعة العراق الذين يشكلون 60 في المئة من السكان؟ جوديث ميلر كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"