آن الأوان كي تؤسس الولايات المتحدة حزباً سياسياً جديداً، فقد مر وقت طويل منذ أن كان لنا حزب جدير بهذا الاسم. ففي الماضي كان بإمكان الناخبين الاختيار بين "الديمقراطيين" المؤيدين لـ"حكومة كبيرة"، و"الجمهوريين" المؤيدين لـ"حكومة صغيرة"، لكن شيئاً فشيئاً تناقص هذا الاختيار وتلاشى، لاسيما في المجال الاقتصادي. إننا جميعاً واعون للفوضى المالية التي خلقتها الحكومة الفيدرالية، فالديْن القومي على سبيل المثال هو اليوم أكبر من أي وقت مضى، ويواصل ارتفاعه بسرعة حيث وصل نحو 9.3 تريليون دولار، أي بمعدل 30900 دولار لكل أميركي، في وقت لا تلوح مؤشرات على التراجع أو الانخفاض. والأدهى أنه لا أحد من مرشحي انتخابات الرئاسة يتوفر على مخطط حقيقي لوقفه! الاختيار الوحيد الذي يتوفر عليه الناخبون هو بين حكومة "ضخمة" وحكومة "هائلة"، ذلك أن عدداً قليلاً من الناس فقط يجرؤ على أن يجادلوا بجدوى ضرورة تقليص الحكومة ودورها في الاقتصاد. المشكلة لا تكمن في أن الفكرة لا تحظى بتأييد شعبي، وإنما في أن عدداً قليلاً جداً من الناس فقط يعتقدون أن السياسيين يستطيعون القيام بما هو مطلوب. فأحياناً تصبح "حكومة أكبر" رديفاً لـ"حكومة أفضل"، ويصبح خفض نمو حجم الحكومة "عملاً محافظا". والواقع أن الأمر لم يكن كذلك دائماً؛ فقد ضم أول نظامٍ حزبي أميركي المؤيدين لحكومة "صغيرة" في مواجهة مؤيدي حكومة "دقيقة". لكن المؤرخين فهموا القصة فهما خاطئاً؛ فقد كان ألكسندر هاميلتون وأتباعه من الحزب الفيدرالي يرغبون في حكومة كبيرة ونشطة. فلو كان جيفرسون وهاميلتون لا يزالان على قيد الحياة، لوجدا الدّيْن القومي اليوم مخيفاً ومهولاً. وهنا أيضاً أخطأ المؤرخون مرة أخرى. إذ رغم ادعاءات منتقديه، فإن هاميلتون لم يكن يرغب في ديْن قومي كبير ودائم. وكل ما أثير من صخب حول الموضوع دار حول ما إن كان ينبغي تسديد الدين القومي على مدى بضعة أعوام، مثلما كان يريد جيفرسون، أو على مدى 30 عاماً كما كان يريد "الأسد الصغير" (هاميلتون). وقد فاز هاميلتون في تلك الجولة، حيث فضل الآباء المؤسسون تسديد 2% من رأس المال المستحق سنوياً على أن يتم تغيير شكل الاقتصاد وتحمل وطأة الضرائب الثقيلة التي كان سيتطلبها التخلص من الدين بسرعة. أعلم لماذا كان فريق جيفرسون يرغب في تسديد الدين القومي في أسرع وقت ممكن، والحفاظ على الحكومة صغيرة قدر المستطاع، ذلك أنهم كانوا يدركون أن حكومةً كبيرة من الأرجح أنها ستراكم ديناً كبيراً. لقد كانت الديون القومية الأولى جميعها نتيجة لخوض الحروب، حروب معظمها كان عادلاً. أما الدين القومي اليوم فأسبابه مشبوهة ومريبة. صحيح أن بعضه يعود لحقبة الحرب الباردة وبعضه يعزى إلى الحرب على الإرهاب، بيد أن معظمه لم يكن سوى طريقة بالنسبة للسياسيين لخداع الناخبين للظهور بمظهر من يمنحهم شيئاً بدون مقابل. وذاك بطبيعة الحال أمر لا يمكن تحمله على المدى البعيد. وقد بدأ المستثمرون العالميون يفهمونه، ما أدى إلى انهيار الدولار. كما فهم ذلك معظم الأميركيين الذين باتوا يخافون من الأسوأ. لهذه الأسباب أرى أننا بحاجة إلى حزب ثالث، حزب يستطيع توحيد الأميركيين المستائين والمحبَطين عبر توفير برنامج من بضعة فصول، ينص أهمها على أن تنفقَ أقل مما تكسب، وأن تستعمل الباقي لتسديد الدين، وهو ما يبرز الحاجة الماسة إلى إصلاح ضريبي. إذ يتعين على واشنطن أن تجد شيئاً بسيطاً يحظى بالتأييد الشعبي لفرض الضرائب والحصول على معظم مداخيلها. فالتعرفات الجمركية لم تعد تكفي، بينما تكفي الضرائب المفروضة على الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري. كما يتعين على الحزب الثالث إيجاد طريقة لوقف تزايد الإنفاق الحكومي. أما تقليص النفقات عبر تحرير الأسواق، فربما يكون مطلباً كبيراً، لاسيما في البداية. إن كلمات ورؤية هاميلتون وجيفرسون وغيرهما من المؤسسين، يمكن أن تكون دليلاً لنا: راكم الدين إن كان ذلك ضرورياً، ولكن من أجل المشاريع الجديرة فقط. سدد ذلك الدين في أقرب وقت ممكن، ولكن من دون أن يكون الثمن هو كبح النمو الاقتصادي. ـــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"