من المهم لباكستان التي انتقلت لتوها من حكم شمولي إلى نظام ديمقراطي أن تتميز رسالتها الأولى خلال هذه الفترة الحرجة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة بالوضوح والجرأة. فعلى غرار الحكومات الجديدة التي تنتخب في المجتمعات الديمقراطية، نعتزم تحديد إيقاع السير ووضع أجندة للعمل، فنحن نريد من العالم أن يرى عودة البلاد مجدداً إلى العمل واستئنافها لنشاطها المألوف بتفويض كامل من الشعب. وبالطبع لن يكون هذا الانتقال من الشمولية إلى الديمقراطية سهلاً، حيث ندوب الماضي لم تندمل بعد، والمشاكل التي تواجه البلاد عديدة ومتشعبة. لكن ومع ذلك لم يبذل الشعب الباكستاني كل تلك التضحيات الجسام، وفي مقدمتهم الزعيمة الباكستانية بنيظير بوتو التي دفعت حياتها دفاعاً عن الديمقراطية، كي تكون الحكومة الجديدة خجولة، أو محدودة في فعاليتها. لذا فإن شجاعتنا هي انعكاس لوعينا بحجم الرهانات، التي تنتظرنا سواء لجهة النجاح، أو الفشل. والواقع أن الحكومة الجديدة التي أترأسها هي ائتلاف من العناصر الحداثية والمعتدلة، بالإضافة إلى القوى التقدمية والديمقراطية المصممة على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام وإعادة بناء النسيج الاجتماعي في باكستان. وفي هذا الإطار قمنا فعلاً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وألغينا الرقابة على الصحافة ووسائل الإعلام بعدما كانت تعاني من التضييق والمنع، كما قمنا أيضاً بإطلاق سراح القضاة المحتجزين وسنعمل في الأيام المقبلة على إرساء استقلال القضاء باعتباره أساس المجتمع المدني. وبالطبع لن ننسى الاهتمام بالمؤسسات الديمقراطية عبر تعزيزها ومدها بكافة الصلاحيات الضرورية، لا سيما البرلمان الذي يضطلع بدور مهم في الديمقراطيات العريقة. وفي ما يتعلق بالمناطق القبلية، فإننا سنهتم أكثر بأوضاعها الاقتصادية، وسنتخذ كل ما يلزم من تدابير على الصعيدين الاجتماعي والسياسي لتلبية احتياجات السكان في تلك المناطق ودمجهم في النسيج العام للمجتمع الباكستاني. وفي ظل انشغال العالم بالحرب على الإرهاب يُتوقع من حكومتنا أن تكون تلك الحرب في سلم أولوياتها، وهو فعلاً ما ننوي القيام به بدعم من السكان المحليين. لكن باكستان قبل أن تخوض حروب الآخرين على الإرهاب عليها أن تحاربه أولاً من أجل مصلحتها الذاتية، حيث أعطت السلطات الباكستانية الانطباع في السابق على أنها تخوض الحرب على الإرهاب استجابة للضغوط الدولية. وفي هذا السياق، فإن المقاربة التي سنعتمدها لخوض تلك الحرب ستكون متعددة الجوانب والأبعاد، حيث سنجمع بين استخدام القوة ضد الإرهابيين، وبين الدخول في حوار مدني مع من غُرر بهم لأسباب دينية، أو قبلية. فقد شهدت الفترة التي أعقبت اعتداءات 11 سبتمبر تصاعد موجة العداء لأميركا في المناطق القبلية المتاخمة للحدود الأفغانية بسبب الهجوم الأميركي على أفغانستان واستهداف "طالبان". وإذا كانت باكستان ترفض الحوار مع الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، إلا أنها لن تمتنع عن التفاوض مع المتمردين من رجال القبائل الذين لو سحبوا دعمهم للإرهاب لتمكنا من تجفيف منابعه واستهداف المناطق الحاضنة لعناصره. ومع ذلك نعلن موقفنا الواضح بأنه لا حوار سيعقد ما لم يلقِ المتمردون أسلحتهم. وتقوم سياسة الحكومة في هذا الإطار على عزل الإرهابيين وتهميشهم في المناطق القبلية التي تتمتع بحكم فيدرالي، وفي المناطق الحدودية بالشمال الغربي من البلاد بعدما انهار حكم القانون واستسلمت المناطق إلى "القاعدة" و"طالبان". وحرصاً من الحكومة على فتح الحوار مع المناطق القبلية فهي ستستعين بالحزب القومي للبشتون ذي التوجه العلماني والعارف بالقبائل والعشائر المختلفة في المنطقة، وبخاصة أن هذا الحزب حصل إلى جانب "حزب الشعب" الباكستاني على أعلى نسبة من أصوات "البشتون" في انتخابات شهر فبراير الماضي. لكن هناك من المراقبين من أجروا مقارنة خاطئة بين سياستنا الجديدة في التعامل مع المناطق القبلية، والصفقات الفاشلة التي عُقدت في السابق مع المسلحين في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان خلال الفترة من 2004 إلى 2006. والحقيقة أن تلك الاتفاقات لم تعقد إلا بعدما تكبدت القوات الحكومية خسائر كبيرة في المعارك، والحال أننا اليوم نفاوض من موقف قوة بعدما طلبنا من المسلحين تسليم أسلحتهم وإعلان نبذهم الصريح للعنف. ورغم ذلك لن نستبعد التدخل العسكري مع توخي الحيطة والحذر ومراقبة أي انتهاك للاتفاقات الموقعة مع المسلحين. ولتعزيز فرص النجاح سنقوم بفرض النظام وإعطاء الناس فرصة اختيار بدائل أخرى عدا التعاون مع القتلة الذين همهم الوحيد هو زرع الفوضى والعنف. وفي الوقت نفسه، سنفتح أذرعنا لاستقبال عودة القبائل إلى حضن المجتمع واندماجها في نسيجه مع احترام تفسيرها المحافظ للدين الإسلامي مادامت تنبذ العنف وترفض الخضوع لاستفزاز الإرهابيين، أو الانضمام إلى صفوفهم. والواقع أنه لا بد من الاعتراف بالعلاقات المتداخلة بين باكستان وأفغانستان التي بدأت بعد انطلاق المقاومة ضد التدخل السوفييتي في الثمانينيات، وزاد هذا التداخل بسبب طبيعة الحدود الطويلة بين البلدين ونزوح ثلاثة ملايين أفغاني إلى باكستان. ولهذه الأسباب مجتمعة نسعى إلى التعاون مع الحكومة الأفغانية لتأمين الحدود وضمان عودة اللاجئين الأفغان إلى وطنهم. ومع أن الحكومة واعية بمشكلات كالبطالة والتضخم والفقر التي لو تركت من دون علاج، فإنها ستضعف سلطة الدولة، إلا أننا عازمون على مواجهتها ومعها غلاء المواد الغذائية وارتفاع أسعار النفط، وهي المشاكل التي تفاقمت أكثر بسبب عمليات تهريب القمح الباكستاني إلى أفغانستان. ولا ننسى أنه في تاريخ الأمم هناك لحظات مهمة تفصل بين الماضي والمستقبل، وباكستان تمر بواحدة من تلك اللحظات الفارقة، وبإذن الله سنثبت لشعبنا وللمسلمين كافة أن الديمقراطية قادرة على النجاح وأنها الضمانة الوحيدة ضد تفشي الإرهاب والظلم واليأس. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"