على مدى أسبوعين، شدت صور الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشوارع، مطالبة بأبسط الحريات والحقوق الإنسانية، العالم بأسره. وأنا أشاهدهم، أتذكر مشهداً آخر حدث قبل عامين تقريباً في بورما، حين خرج آلاف الرهبان البوذيين في مظاهرات سلمية عبر شوارع البلاد؛ وكانوا يطالبون أيضاً بالكرامة الإنسانية لكل المواطنين البورميين، ولكنهم تعرضوا للضرب والتنكيل على يد النظام. ومنذ تلك الأيام القاسية في سبتمبر 2007، ازدادت معاناة بورما استفحالا؛ حيث تضاعف خلال 21 شهراً الأخيرة عدد السجناء السياسيين الذين يعتقلهم المجلس العسكري الحاكم. وخلال العشرة أيام الأخيرة، حكم على مواطنين بورميين بالسجن 18 شهراً لأنهما ارتكبا "جريمة" الصلاة في معبد بوذي من أجل إطلاق سراح زعيمة المعارضة المعتقلة "أونج سان سو كيي". وفي داخل بورما، حُملت أكثر من 3000 بلدة على "النزوح الإجباري"، وهو عدد يفوق عمليات النزوح الجماعي في دارفور. كما أرغم المجلس العسكري الحاكم عشرات آلاف الأطفال على الانضمام إلى الجيش، كما استعمل المدنيين من أجل تنظيف حقول الألغام. وإلى ذلك، فقد أغلق الكنائس والمساجد، وسجن الكوميديين لأنهم يسخرون من الحكومة، والمدونين لأنهم يكتبون عنها. وإضافة إلى ذلك، فإن تجارة البشر متفشية في بورما، حيث يُختطف الأطفال ويباعون. وحلت الإعدامات الجماعية محل العدالة، بينما يُقبض على المحامين لارتكابهم "جريمة" الدفاع عن المقموعين. وفضلا عن ذلك، يُستعمل الاغتصاب في أحيان كثيرة كـ"سلاح حرب". في عام 2006، نظمتُ طاولة مستديرة في الأمم المتحدة لمناقشة الوضع في بورما، واستمع الجميع للناشطة البورمية هزينج ناونج وهي تصف ضحايا الاغتصاب الذين ساعدتهم. ومن شدة هول ما كانت تصفه، أسكتت كلماتها القاعة. غير أن نساء بورما، وفي مواجهة هذه الوحشية والقساوة، أثبتن شجاعة ملهمة. وفي هذا الإطار، لن أنسى الزيارة التي قمت بها لمخيمات اللاجئين المكتظة والنائية على الحدود بين بورما وتايلاند، حيث وقفتُ على الجهود الحثيثة التي تقوم بها الدكتورة سينثيا مونج لتقديم المساعدة الطبية لمئات البورميين المحتاجين. وقد جلستُ مع ضحايا الألغام الأرضية الذين فقدوا أطرافهم. وفي الخريف الماضي، كان من دواعي سروري أنني قدمت جائزة "فايتل فويسز" (أصوات مؤثرة) لتشارم تونج التي أدلت بشهادتها أمام مسؤولي الأمم المتحدة ووصفت الحملة العسكرية الممنهجة ضد النساء في ولاية "شان" البورمية، وتحدثت بلا خوف أو تردد. والواقع أن على الكثيرين منا في أميركا أن يدافعوا عن هذه الشجاعة ويتبنوها. ففي هذه اللحظة، تواجه أونج سان سو كيي، 64 عاماً وفي حالة صحية هشة، صدور حكم جديد في حقها على خلفية تهمة ملفقة قد تكون عقوبتها خمس سنوات أخرى من الاعتقال الوحشي؛ حيث يرغب زعماء المجلس العسكري الحاكم في إضعاف تأثير ونفوذ الحائزة على جائزة نوبل للسلام قبل انتخابات العام المقبل. غير أن زعماء العالم دعوا المجلس العسكري الحاكم إلى إطلاق سراح سو كيي والسجناء السياسيين الـ2100 الآخرين الذين يعتقلهم. بل إنه حتى أقرب أصدقاء بورما في "الآسيان" دعوا إلى تمكينها من الرعاية الطبية المناسبة وحذروا من أن "شرف ومصداقية" بورما في خطر. بيد أنه على العالم أن يفعل أكثر من ذلك للتعبير عن قلقه. وقد صدر مؤخراً تقرير جديد عن كلية القانون التابعة لجامعة هارفارد يطلب من مجلس الأمن الدولي إنشاء "لجنة تحقيق" بشأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في بورما؛ وذلك بعد أن وثقت مجموعة من خبراء القانون الدولي في هارفارد ما تعتبره انتهاكات "واسعة وممنهجة" لحقوق الإنسان من قبل المجلس العسكري الحاكم. ولئن كان مجلس الأمن الدولي قد أحال منذ فترة الأزمة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فعليه أن يقوم بالشيء نفسه بخصوص بورما. ومع اعتزام أمين عام الأمم المتحدة زيارة بورما هذا الصيف، فمن المهم أن يضغط على النظام حتى يتخذ خطوات فورية لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما في مناطق الأقليات العرقية. فهناك 38 قراراً أممياً تندد بهذه الانتهاكات، لكن الفظاعات مستمرة بدون هوادة. والحال أن أرواحاً كثيرة أُزهقت تحت الحكم الوحشي للمجلس العسكري الحاكم، أرواح كان يمكن أن تساعد مواهبُها كل بورما على الازدهار. لكن النموذج المستمر الذي تقدمه سو كيي على الشجاعة المدنية، يذكّرنا جميعاً بأنه بغض النظر عن مدى وحشية النظام، فإنه لا يستطيع أن يعتقل ما ترمز إليه رغبة الناس جميعاً في العيش بحرية وكرامة. وخلال اللحظات القصيرة التي سُمح فيها للدبلوماسيين الأجانب بمراقبة محاكمتها الصورية، اعتذرت سو كيي في هدوء لأنها اضطرت إلى تحيتهم في السجن وقالت: "أتمنى أن ألتقي بكم في ظروف أفضل من هذه". والحقيقة أن علينا جميعاً أن نشاطرها هذا الأمل، وأن نضم صوتنا إلى أصوات الأشخاص الذين يجازفون من خلال الاحتجاج والتنديد بالظلم والطغيان واللامساواة في بورما وما وراءها. لورا بوش السيدة الأولى الأميركية السابقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"