لقد كان صيف العام الحالي مفعماً بالنشاط والحركة والعمل في سجن جوانتانامو. فقد أنفقت خلاله اللجنة العسكرية المكلفة بإدارة ذلك السجن الذي لا يزال يحتجز فيه آخر 226 من السجناء، نحو 440 ألف دولار في مشروعات استهدفت توسيع ميادين الرياضة والترفيه في المعسكرين رقم 4 و6. وهناك ميدان لكرة القدم تم انتهاء العمل فيه في المعسكر رقم 5، بينما يتواصل العمل في إنشاء فصل دراسي بتكلفة 73 ألف دولار. وفي شهر مارس الماضي أضافت اللجنة المكلفة بإدارة السجن فصولا دراسية للرسم والفنون ضمن حصص اللغات العربية والبشتو والإنجليزية التي يقدمها المعلمون هناك. وعلى رغم تعهد أوباما بإغلاق السجن خلال عام من توليه منصبه، إلا أن الضباط العسكريين المسؤولين عن إدارة السجن يعتزمون الاستمرار في إنفاق الميزانيات المقررة سلفاً بهدف تحسين مستوى حياة المعتقلين إلى أن يغادر آخر معتقل من هناك. وهذا ما أكده الجنرال رفائيل أوفيرال نائب رئيس اللجنة المكلفة بإدارة السجن. ومن خلال الجولة التي قمت بها داخل السجن، تأكد لي أن هذا السجن الذي وصفه أوباما بأنه وصمة عار في تاريخ بلادنا، لم يعد كما كان. فقد تحول إلى نموذج مختلف للسجون والمعتقلات إلى درجة أصبح فيها الإصرار على إغلاقه مجرد رمز سياسي من وجهة نظري الخاصة. كما يبدي القائمون على إدارته حرصاً واضحاً على النأي بأنفسهم عن \"أساليب التحقيق المتقدمة\" التي كانت قد تبنتها إدارة بوش السابقة. فهناك الآن مركز طبي يقدر مجموع زيارات المرضى له بنحو 7800 زيارة سنوياً يتلقى خلالها المرضى أفضل درجات الاهتمام والرعاية الصحية، بما فيها تنظير القولون لكبار السن منهم. هذا ولا يزال مسموحاً للمعتقلين بتنفيذ الإضراب عن تناول الطعام، مع موافقتهم الطوعية على الإطعام الإجباري في حال تردي حالتهم الصحية. ويخضع المعتقلون للفحوص والتحاليل الطبية على نحو دوري، بهدف التأكد من عدم إصابتهم بالدفتيريا والسل الرئوي والإنفلونزا وفيروس HIV المسبب لمرض الإيدز. وقد حدثني أحد أطباء البحرية الأميركية العاملين في السجن بأن جوانتانامو تحول إلى معتقل نموذجي لتقديم الرعاية الصحية للسجناء. صحيح أن حالات الاكتئاب النفسي والانتحار لا تزال تحدث من وقت لآخر داخل السجن، وكان آخرها انتحار السجين محمد أحمد عبدالله صالح -وهو مواطن يمني يبلغ من العمر 31 عاماً وقد ظل رهن الاعتقال داخل السجن منذ عام 2002- في شهر يونيو المنصرم. ولكن واصلت إدارة السجن توسيع برامجها التثقيفية الترفيهية كما هو واضح. ففي السجن الآن مكتبة تحوي ما يزيد على 15 ألف كتاب ومجلة. وهناك ألعاب إلكترونية وصحف وألعاب تسلية وألغاز متاحة للمعتقلين، إلى جانب توفير كافة القنوات الفضائية التلفزيونية لهم. وليس ذلك فحسب، بل تضم المكتبة المرئية أيضاً ما يزيد على 315 فيلماً وعروض \"دي في دي\". وتمتد البرامج الترفيهية المسموح بها للسجناء \"الملتزمين\" إلى حوالي 20 ساعة يومياً، وتشمل كرة القدم والسلة وتنس الطاولة وتنسيق الحدائق. وأما السجناء غير الملتزمين فيحبسون في زنازين انفرادية أوسع بكثير مما كانت عليه الزنازين الانفرادية في عهد بوش. صحيح أن سجن جوانتانامو أصبح اليوم مجرد سجن أميركي لاحتجاز المدنيين، إلا أن المعضلة الرئيسية التي يواجهها هي وضع حد للمأزق القانوني لمعتقليه. وفي هذا الجانب بالذات، ليس ثمة فارق يذكر بين سياسات الإدارة السابقة وسياسات إدارة أوباما الحالية، بما في ذلك تبني الإدارة الجديدة لسياسات تبادل السجناء مع دول تتهم بممارسة التعذيب بحق معتقليها وسجنائها. ومع ما بذلته إدارة السجن في تحسين مستوى حياة النزلاء، فليس ثمة معنى لإنفاق المزيد من الأموال والجهد بغية نقل معتقليه إلى أحد السجون الأميركية أو غيره، حيث يتوقع تعرضهم لمعاملة أسوأ مما هم فيه الآن. وعلى أية حال، فقد حان الوقت لأن تعترف إدارة أوباما باستمرار حاجتها إلى سجن ما -سواء كان جوانتانامو أم غيره- طالما استمرت حربها على الإرهاب. والواجب الرئيسي هو معالجة الوضع القانوني لسجناء الحرب أكثر من نقلهم أو ترحيلهم إلى سجون أخرى. جوديث ميلر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محللة سياسية وزميلة بمعهد مانهاتن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"