كيف يمكن تفسير حالة "فيصل شاه زاد" الشاب الأميركي، من أصل باكستاني، الذي حاول تفجير سيارة في ميدان "تايمز سكوير" بنيويورك في الثالث من مايو الحالي؟ هذا الشاب حاصل على الماجستير في إدارة الأعمال، وسبق له العمل لدى عدة شركات أميركية، كان من بينها شركة "اليزابيث اردن" الشهيرة لمستحضرات التجميل، كما أن زوجته "هيوما ميان" المولودة في كولورادو لديها درجة جامعية في المحاسبة هي الأخرى، ووالده"بحر الحق" طيار متقاعد عالي الرتبة كان يعمل في سلاح الجو الباكستاني، ووالد زوجته "محمد آصف ميان" حاصل على درجتي ماجستير من مدرسة كولورادو للمعادن، ومؤلف لأربعة كتب. كانت كل المظاهر تشير إلى أن "شاه زاد" و"هيوما ميان"من ضمن النخبة الباكستانية المغتربة في الولايات المتحدة، حيث ينحدر الاثنان من عائلتين راسختين من عائلات الطبقة الوسطى في بلدهما الأصلي، ويحملان الجنسية الأميركية، ولديهما طفلان صغيران، وكانا يبدوان مندمجين تماماً في تيار الحياة الأميركية، لكن من الواضح الآن أنهما لم يكونا كذلك، أو على أقل تقدير، قررا في الشهور الأخيرة ألا يكونا كذلك. هناك العديد من الأسباب التي قدمت لتفسير المحاولة التي أقدم عليها "فيصل شاه زاد" هذا الشهر لتوجيه ضربة إلى أميركا وطنه المكتسب. منها أن عائلته كانت على ما يبدو تعاني من مصاعب مالية شأنها في ذلك شأن عائلات أميركية عديدة تعاني جراء الأزمة الاقتصادية الحالية، حيث استردت منهما ملكية المنزل الذي كانا قد اقتنياها بنظام الرهن العقاري، ما اضطرهما للانتقال لسكن آخر مؤجر، وأن تلك ربما تكون هي النقطة التي نبعت منها المسألة برمتها. هناك تفسير آخر، وهو أن"شاه زاد" كرجل مسلم، قد تحول إلى التطرف، تحت تأثير المحاضرات التي كان يقرأها على شبكة الإنترنت للداعية الأميركي من أصل يمني" أنور العولقي"، المعروف بانتقاداته العنيفة للحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد المسلحين الإسلاميين في اليمن وغيرها. أما التفسير الأكثر احتمالًا، فهو أن شاه زاد، شعر بالغضب الشديد بسبب الحملة التي يشنها الجيش الباكستاني - تحت ضغط شديد من الولايات المتحدة - ضد الجماعات الإسلامية في مناطق القبائل الواقعة في شمال غرب باكستان، بمحاذاة حدودها مع أفغانستان. وقيل أيضا إن"شاه زاد" قد سافر لباكستان 13 مرة خلال السنوات السبع الأخيرة، وأنه قد زار مناطق القبائل، وأن ذلك قد جعله يشاهد على الطبيعة تأثير الحرب التي تشنها قوات "الناتو" في أفغانستان على بلده الأصلي. ويشار إلى أن الهجمات التي تشنها الطائرات التي تطير من دون طيار على أهداف تابعة لـ"طالبان" في مناطق القبائل، كانت سبباً في غضب عارم، ومشاعر كراهية عميقة لأميركا بسبب الخسائر الفادحة، التي توقعها في صفوف المدنيين من ناحية، ولأنه يتم النظر إليها على أنها تمثل انتهاكاً لا يمكن قبوله للسيادة الباكستانية. ليس هذا فحسب، بل إن الجيش الباكستاني ذاته كان يتعرض لانتقادات حادة بسبب خوضه لما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه حرب ضد الإسلاميين بالوكالة عن أميركا. على ضوء ذلك، من المحتمل جداً أن يكون "شاه زاد" قد توصل إلى اقتناع بضرورة الانتقام للضحايا الذين يسقطون جراء هجمات الطائرات التي تطير من دون طيار. وحالة شاه زاد تقدم مثالًا كلاسيكياً على الطريقة التي يتم بها تصدير توترات جنوب آسيا إلى أميركا(وربما إلى المملكة المتحدة أيضاً كما رأينا في الهجمات الإرهابية على نظام مترو الأنفاق في لندن عام 2007). وباكستان على وجه الخصوص تقع في القلب من هذه التوترات، وقد كانت كذلك منذ الانفصال عن الهند عام 1947. وعلى الرغم من أن باكستان والهند قد خاضا حروباً أربعا منذ تقسيم شبه القارة الهندية - في الأعوام 1948-1949 و 1965و 1971و1979، فإن السبب المباشر للتوتر بينهما في الوقت الراهن يرجع إلى حرب الوكالة التي يخوضانها بشأن أفغانستان. على النحو التالي تم إدماج الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد "طالبان" في الصراع الهندي -الباكستاني الأعمق، والأطول عمراً: لكي تحارب الهند في كشمير كان من المحتم على الاستخبارات العسكرية الباكستانية أن تحافظ على علاقات وثيقة عبر السنين مع الجماعات الجهادية التي كانت مهمتها هز استقرار الهند. وعندما غزا السوفييت أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، جُندت تلك الجماعات لخوض الحرب ضدهم، وذلك قبل أن تحول فوهات بنادقها ضد الولايات المتحدة، التي قامت بدورها، عقب الحادي عشر من سبتمبر بغزو أفغانستان لإطاحة "طالبان"، التي كانت وضعت في السلطة من قبل باكستان في العام 1996. في صراعها مع الهند، تنظر باكستان إلى أفغانستان على أنها"عمقها الاستراتيجي". ومن هذا المنظور، تعتبر باكستان الجماعات الجهادية التي تخوض حرباً ضد "الناتو" في أفغانستان مثل "طالبان" على سبيل المثال مهمة لها على أساس أنها سوف تحتاج لها فيما بعد لإبقاء نفوذ الهند المتنامي بعيداً عن أفغانستان، بعد مغادرة قوات الولايات المتحدة وقوات "الناتو" لهذا البلد - وهو ما سيفعلونه حتماً. فـ"طالبان" على هذا الأساس تمثل الحليف المنتظر والحتمي لباكستان، لهذا السبب، وعلى الرغم من التحريض الأميركي، ظل الجيش الباكستاني متمنعاً لأقصى درجة عن شن حرب على "طالبان" أفغانستان، حتى عندما يعبر مقاتلوها الحدود، ويدخلون بحثاً عن الملاذ في مناطق القبائل في باكستان ذاتها، وعلى سبيل المثال تعمل شبكة "حقاني" على جانبي الحدود غير المنيعة. وقد شنت الجماعات الجهادية، التي يعتقد أنها قد تلقت تدريباً وتسليحاً من جانب جماعات غامضة داخل باكستان، العديد من الهجمات على الهند خلال العقد الماضي، كان أكثرها لفتاً للأنظار الهجوم الإرهابي الدامي على مومباي في نوفمبر 2008، الـذي أسفر عن مصرع ما يزيد عن 160 شخصاً. وفي هذا الهجوم، ركزت مجموعة "الكوماندوز" التي نفذت، والتي كانت قد وصلت إلى الهند بالقوارب، على ضرب محطة للقطارات، وفندقين، ومركزاً يهودياً، وبارا. ويُشار إلى أن الناجي الوحيد من تلك المجموعة قد حكم عليه بالإعدام من قبل محكمة هندية الأسبوع الماضي فقط. في النهاية، وتحت ضغط أميركي ودولي مشدد، اضطرت باكستان خلال العام الأخير إلى شن هجوم على الجماعات الإرهابية المحلية مثل جماعة "تحريك طالبان باكستان" (T.T.P)، التي استبد بها الغضب جراء تحالف باكستان الوثيق مع الولايات المتحدة ضد المقاتلين الإسلاميين، فبدأت في شن حرب على الدولة الباكستانية ذاتها. وكرد على ذلك، شن الجيش الباكستاني حملات واسعة النطاق على ملاذات (T.T.P) في وادي سوات، وجنوب وزيرستان، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان المدنيين من ديارهم، واضطرار زعماء الجماعة إلى الفرار والسعي لإيجاد ملاذات لهم في شمال وزيرستان، وهي منطقة كانت تبدو حريصة للغاية على عدم مهاجمتها على أساس، أنها تعتبر موطناً للعديد من حلفائها الجهاديين. في منطقة مثل هذه، ربما يكون "فيصل شاه زاد" قد التقط مبادئ صناعة القنابل... كما التقط معها أيضاً كراهية أميركا.