يبدو أن الرئيس أوباما يراكم أخطاء سياساته الخارجية في عدد واسع من المسائل المرتبطة بها. وللأسف أنه يقضي بذلك على السمعة الخارجية الطيبة التي تمتع بها إثر توليه المنصب الرئاسي في يناير من عام 2009. وتشير آخر الخطوات التي اتخذها إزاء عدد من القضايا مثل أنشطة إيران النووية وسياسات طهران الداخلية، ودبلوماسية تركيا الإقليمية، والنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، والحرب على أفغانستان، إلى أنه يستجيب إلى مجموعات ضغط شعبوية وأخرى لها مصالحها الخاصة، بما يتعارض وقناعاته الشخصية. وربما يبدو الخطأ الأكثر خطورة على الإطلاق ما اتخذه من سياسات إزاء إيران، فبدلاً من الترحيب بمبادرة تبادل الوقود النووي، التي أبرمتها طهران مع كل من تركيا والبرازيل في السابع عشر من شهر مايو المنصرم، نظرت واشنطن إلى تلك الصفقة على أنها مجرد إهدار للوقت ومضت في مساعيها لحمل مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات جديدة على طهران. يجدر بالذكر أن ترحيب واشنطن بتلك الصفقة كان خطوة ضرورية للغاية في طريق إقناع طهران بالتفاوض معها. وعليه فليس ثمة غرابة في أن يأتي رد الفعل الإيراني على موقف واشنطن بكل ذلك القدر من التحدي والعنفوان. وبذلك استحالت إلى رماد كل طموحات أوباما المبكرة، لوضع حد لعداءات استمرت بين واشنطن وطهران لثلاثة عقود مضت. والأسوأ من ذلك تدخل أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على نحو مباشر في السياسات الداخلية الإيرانية، وهو ما عزفا عنه أثناء حملة إعادة انتخاب الرئيس الإيراني. ففي الأسبوع الماضي حث أوباما المجتمع الدولي على دعم الشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية، بينما اتهمت كلينتون النظام بقمع الشعب وتزوير الانتخابات وتصدير الإرهاب والسعي إلى تطوير الأسلحة النووية. ووصفت كل ذلك بأنه يمثل مزيجاً خطيراً من السلوك السياسي. وبالنسبة للإيرانيين، فإن هذه العقوبات الإضافية، وما سبقها ولحقها من تصريحات من قبل واشنطن لا تعني سوى شيء واحد فحسب: فمثلما حدث في العراق عام 2003، ها هي إسرائيل ومؤيدوها داخل الولايات المتحدة الأميركية، يواصلان دفعهما لواشنطن باتجاه مواجهة عسكرية مع طهران. يذكر أن صحيفة "التايمز" اللندنية –التي عرفت بجديتها من قبل، إلا أنها بدأت تنشر الآن معلومات مضللة عن الشرق الأوسط- نشرت في عددها الصادر بتاريخ 12 يونيو الجاري تقريراً مفاده أن السعودية وافقت –بناءً على موافقة الخارجية الأميركية- على السماح لإسرائيل باستخدام نطاق ضيق من مجالها الجوي لقصف مواقع إيرانية نووية. والفكرة وراء تقارير إخبارية خبيثة كهذه هي إقناع الرأي العام العربي بالانضمام إلى صف إسرائيل ضد إيران، وبذلك تتهيأ الأجواء للحرب. وليس هذا سوى هراء كما نعلم. وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" في الحادي والثلاثين من شهر مايو المنصرم، وهو الهجوم الذي قتل فيه تسعة من ناشطي السلام الأتراك، اشتد التوتر بين تركيا وواشنطن. ويعود السبب الرئيسي لذلك التوتر إلى الهجمات الشرسة التي وجهتها الجماعات اليهودية الأميركية إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان بسبب انتقاداته للسلوك الإسرائيلي. ويطالب "المحافظون الجدد" بطرد تركيا من عضوية حلف "الناتو"، وفي الوقت ذاته تواصل الصحف الأميركية المؤيدة لإسرائيل، مثل "وول ستريت جورنال" و"ويكلي ستاندرد" هجومها اليومي على أرودجان وحكومته. وبدلاً من شجبه للهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية، سمح الرئيس أوباما لنفسه بأن يكون أداة للهجوم على تركيا. وهذه عثرة لها أهميتها الخاصة بالطبع. ذلك أن تركيا عضو في حلف "الناتو"، ولها نفوذ قوي للغاية ليس على نطاق منطقة الشرق الأوسط وحدها –حيث يتمتع أردوجان بشعبية هائلة- وإنما كذلك في البلقان ومنطقتي القوقاز وآسيا الوسطى. وفي وسع تركيا في الواقع أن تكون عوناً كبيراً لواشنطن والمجتمع الدولي، ليس في حل الأزمة النووية الإيرانية فحسب، وإنما في إخراج واشنطن من المأزق الذي زجت نفسها فيه في أفغانستان أيضاً. والحقيقة أن الجنود الأجانب الوحيدين الذين يحظون بالترحيب في أفغانستان الآن هم الجنود الأتراك الذين ساهموا في بناء المدارس والمستشفيات والطرق هناك. ويخاطر أوباما كثيراً بخسارة هذه القوة جراء انحنائه للضغوط التي تمارسها عليه إسرائيل و"الصقور" المتحالفون معها في واشنطن. يحدث هذا في وقت شديد الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان. فقد بلغ عدد القتلى من جنود حلف "الناتو" خلال الأسبوع الماضي ما لا يقل عن 27 جندياً. كما تبين أن خطة زيادة عدد القوات التي تبناها الجنرال "ستانلي ماكريستال" ليست سوى فشل ذريع. فقد أرغم على تأجيل خطته المتعلقة بالهجوم على معقل حركة "طالبان" الرئيسي في محافظة قندهار لبضعة شهور. وبدلاً من أن يستجيب لطلب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بإعلان وقف فوري لإطلاق النيران، وبدء التفاوض المباشر مع حركة "طالبان"، فضّل أوباما الاستماع إلى رأي القائلين بضرورة هزيمة "طالبان" عسكرياً أولاً، قبل بدء التفاوض معها. وهذا خطأ فادح سوف تدفع الولايات المتحدة ثمنه غالياً. ولا يزال أوباما يواصل دعوته إلى حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بالإعلان عن قيام الدولتين المستقلتين، ولكن دون أن يخطو خطوة جدية حاسمة لتحقيق ذلك الهدف. إلى ذلك يواصل مبعوثه الخاص، جورج ميتشل، مساعيه الهادفة إلى الوصول إلى الهدف المنشود، ولكن دون أن يحظى بدعم واضح من الرئيس فيما يبدو. وفي الجانب الفلسطيني فليس ثمة آفاق للسلام تلوح هناك قبل أن تبدأ الولايات المتحدة مفاوضات مع حركة "حماس" وتضع كل ثقلها السياسي على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية قادرة على التفاوض بشأن تسوية سلمية نهائية للنزاع. وكذا الحال في الجانب الإسرائيلي، فلن يكون هناك سلام ما لم يستجمع أوباما كل ما أوتي من شجاعة ورباطة جأش في الحديث الصارم مع المتطرفين "اليمينيين" في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمتشددين الدينيين هناك. وما بقيت إسرائيل تحت نفوذ هذه القوى المتطرفة فلن تحلق في سمائها يوماً حمائم السلام. وتعمل القوى نفسها على تسويد وجه واشنطن على امتداد العالم العربي والإسلامي كله، بينما تقضي على الآمال الكبيرة التي أثارها وصوله إلى البيت الأبيض في نفوس العرب والمسلمين.