أخيراً توصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى صياغة خطة، لإنهاء الكارثة المستمرة في أفغانستان منذ تسع سنوات على نحو مشرف. وهذه الخطة قد لا تكون حكيمة، وقد يثبت فيما بعد أنها غير عملية، ولكنها تتميز بشيء في غاية الأهمية هو: الوضوح. فبكلمة واحدة، يمكننا أن نطلق عليه اسم خطة "الأفغنة". البند الرئيسي في هذه الخطة، هو النقل التدريجي للمسؤوليات الأمنية - أي الحرب ضد طالبان-من القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان بمقاطعاتها الأربع والثلاثين، إلى الأفغان بنهاية عام 2014، ليستعيدوا بذلك، ولأول مرة منذ غزو بلادهم عام 2001 سيادتهم، وسيطرتهم على مصير بلادهم. ولكي يصبح هذا النقل ممكناً، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مليار دولار شهرياً في صورة مساعدات يجري إنفاقها على تدريب وتجهيز الجيش الأفغاني الوطني الموسع، الذي سيشهد زيادة دراماتيكية في أعداد قواته من 102 ألف جندي حالياً إلى 134 ألفاً عام 2011، ثم إلى 260 ألفاً عام 2012، وفي النهاية إلى 300 ألف عام 2014. قد يتبين فيما بعد أن خطة زيادة عدد الجيش كانت مبالغة في طموحها. وهذا الاحتمال، في الحقيقة، وارد بقوة، لأن الأرقام المذكورة - في تقديري - بعيدة تماماً عن الواقعية. ولكن إذا افترضنا أن"الجيش الوطني الأفغاني" قد تحول - بمعجزة - إلى قوة قتالية فعالة، فإنه سيكون بمقدور القوات الأجنبية حينئذ مغادرة أفغانستان، وهو ما سيحقق ارتياحاً كبيراً لدى الرأي العام في البلدان المساهمة في تلك القوات. والجدير بالذكر أن أوباما قد قال في أحد تصريحاته إن أول انسحاب للقوات الأميركية سيبدأ في يونيو 2011. وهذه السياسة الهادفة لتوفير الظروف الملائمة للخروج المنظم من أفغانستان، من خلال التحويل التدريجي للمسؤولية إلى الحكومة الأفغانية، تحتوي على العديد من المضامين: أولا، أنها تمثل تصويتاً بالثقة على الرئيس كرزاي، وهو ما يدعو للقول إن كافة الشكوك التي كانت تثار حول قدراته، وحول رغبته في محاربة الفساد، ونزاهته في آخر انتخابات رئاسية أجريت في أفغانستان، قد تم صرف النظر عنها - على الأقل في اللحظة الراهنة - وذلك بعد أن أصبح الرئيس الأفغاني، بموجب هذه الخطة هو الرجل المنوط به الإشراف على تنفيذ ما أطُلق عليه"عملية كابول". ثانياً، إنه بتطبيق خطة الانتقال، تكون الولايات المتحدة، وحلفاؤها قد تجنبت اللجوء لحلول أكثر راديكالية، تشمل أي شيء يمكن إدراجه تحت وصف"إنهاء المهمة بأي شكل من الأشكال ثم الهرب". وقد يكون من المفيد في هذا السياق، الإشارة إلى أن بعض الدول، ومن بينها، ألمانيا وبولندا، قد قالت إنها تخطط لانسحاب مبكر لجزء من قواتها، مع إبقاء الكتلة الرئيسية منها لبعض الوقت. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الجديد، والذي تحتفظ بلاده بأكبر عدد من القوات في أفغانستان بعد الولايات المتحدة الأميركية قد صرح بأن تلك القوات سوف تبقى حتى العام 2015. وهناك حل متطرف آخر جرى تداوله مؤخراً، وهو ترك الجنوب البشتوني لـ"طالبان" وتركيز معظم التنمية الاقتصادية والحكم الرشيد في الشمال، وهو حل اقترحه" روبرت بلاكويل" السفير الأميركي الأسبق لدى نيودلهي في مقال نشر له مؤخرا في موقع "بولتيكيو" الأميركي على شبكة الإنترنت قال فيه "إن هـذا التقسيم الفعلي يوفر أفضل بديل متاح للولايات المتحدة عن الهزيمة الاستراتيجية في ذلك البلد". ومما يشار إليه تعليقا على ما تنبأ به "بلاكويل" من أن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة التمرد في أفغانستان، تتجه نحو هزيمة، قد رفُض بشكل حاسم من قبل الجنرال "ديفيد بترايوس" القائد الأميركي الجديد للقوات المتحالفة في أفغانستان، وكذلك من قبل الأمين العام لحلف الناتو. ثالث هذه المضامين، إن "الناتو"، وكما هو واضح، سيعتمد على باكستان في مواصلة الحرب ضد ملاذات "طالبان" في المناطق القبلية الشمالية الغربية في ذلك البلد، وذلك للحيلولة دون تسلل مقاتلي "طالبان" عبر الحدود إلى أفغانستان. (هناك دلائل عديدة تشير إلى أن باكستان ستكون شريكاً رئيسياً في تنفيذ الخطة الجديدة). ولتشجيع "كرزاي" على المضي قدماً في تنفيذ الخطة، وافق المجتمع الدولي على ضخ 50 في المئة من مبلغ المساعدات المخصص عبر حكومته، ترتفع بعد عامين إلى 80 في المئة. وهو ما يعني من حيث الجوهر وضع موارد حقيقية وضخمه في يده، وتمكينه بذلك من تحقيق سيطرة فعلية على تنفيذ مشروعات التنمية. في الوقت نفسه، يمكن القول إن جهود كرزاي الرامية لعقد صفقة مع "طالبان" من خلال السعي إلى إدماج المقاتلين المحليين الذين يعلنون تخليهم عن العنف في أجهزة الحكومة، والسعي لبدء حوار مع قيادة طالبان في بلوشستان، قد تلقت ما يمكن اعتباره "صك موافقة" من قبل المجتمع الدولي. وكما هو واضح الآن، فإن السياسة الجديدة في أفغانستان، قد تبلورت تدريجيا عبر سلسلة من الخطوات: الخطوة الأولى تمثلت في عقد "جيركا"- أو مجلس للقبائل- للسلام في شهر يونيو، تمت فيه مناقشة موضوع التسوية مع "طالبان". الخطوة الثانية تمثلت في عقد مؤتمر دولي رئيسي في كابول في 20 يوليو حضره 40 وزيرا للخارجية، كانت من بينهم "هيلار ي كلينتون"، بالإضافة للعديد من ممثلي المنظمات الدولية المهمة. في هذا المؤتمر الذي يعد الأكبر في التاريخ الأفغاني، تعهد كرزاي بتحسين أداء حكومته، ومعالجة الفساد وإجراء انتخابات عادلة وشفافة، والقضاء على العنف ضد المرأة. هذه التعهدات ستكون على المحك، عند إجراء الانتخابات البرلمانية الأفغانية في شهر سبتمبر المقبل. وبعد ذلك سيتم تقييم مدى الالتزام بها في قمة "الناتو"، التي ستعقد في "لشبونه" في شهر نوفمبر، حيث يؤمل عندها أن تكون مسؤولية الأمن والتنمية الاقتصادية قد انتقلت بالفعل للحكومة الأفغانية في بعض المقاطعات الهادئة نسبياً. في الوقت الراهن، يبدو أن القوات الدولية ستواجه حتماً صيفاً صعباً في أفغانستان، ويصبح معها احتمال النصر بعيداً. ولكن مما لا شك فيه، أن الخطة الجديدة تقدم، على الرغم من ذلك، بصيصاً من الأمل في نهاية النفق.