كانت صورة تلك الفتاة الأفغانية المشوهة التي نشرت في غلاف مجلة "تايم"، خلال صيف العام الحالي، بمثابة تذكرة تلفت الأنظار إلى المخاطر الكبيرة التي لا زال يواجهها هذا البلد، وبأن فشل الجهود الحربية المبذولة هناك سوف تكون له تداعيات كارثية على النساء بصفة خاصة. وكنت قد التقيت، يوم الجمعة الماضي، بالفتاة الأفغانية "بيبي عائشة" في كاليفورنيا، حيث تخضع لسلسلة من العمليات الجراحية التجميلية، وهي لا تزال في بداية رحلة علاجها الطويلة، بفضل تعاطف وتضامن الكثير من المنظمات والأفراد الخيرين في أميركا. ومما لا شك فيه أن ندوب التشوهات الظاهرة على جسدها سوف تختفي بمرور الوقت، بيد أن تجاوز الآثار النفسية والعاطفية للصدمة الكبيرة التي تعرضت لها ربما يكون أمراً أكثر صعوبة. وتثير قصة "بيبي عائشة" وما تنطوي عليه من ترويع للنساء الأفغانيات وممارسة العنف ضدهن، أسئلة مهمة تتعين مواجهتها من قبل المعنيين بقيام الدولة الديمقراطية الناشئة حديثاً هناك. ولعل أهمها: هل تحترم أفغانستان حقوق النساء وتعمل على حمايتهن والدفاع عنهن؟ أم تسمح باستمرار قهرهن واضطهادهن دون رادع؟ ويمثل هذان السؤالان محوراً أساسياً بالنسبة للساعين إلى بسط السلام والأمن والمصالحة السياسية هناك. وقبل تسع سنوات مضت، علم الكثيرون في مختلف أنحاء العالم بشدة قهر النساء والوحشية التي يعاملن بها على نطاق واسع في أفغانستان أيام حكم "طالبان". فمثلا كانت الفتيات يمنعن من الالتحاق بالمدارس، بينما يسجن النساء في بيوتهن ويمنع عليهن الذهاب إلى الطبيب حين يمرضن. كما كان يعرف عن أفغانستان أن لها أعلى معدل وفيات بين الأطفال المواليد والنساء أثناء الولادة. أما اليوم فهناك مؤشرات تقدم مشجعة. فقد سجل في المدارس الأفغانية ما يزيد على 6.2 مليون طالب وطالبة، تبلغ نسبة الفتيات بينهم 35 في المئة. كما تشارك بعض النساء في مناصب وزارية عليا، فضلاً عن تولي بعضهن منصب الحاكم في بعض المحافظات. وتم انتخاب البعض الآخر أو تعيينهن أعضاءً في الجمعية الوطنية التشريعية. وفضلاً عن ذلك ينخرط الكثير منهن في مجالات الاستثمار وإدارة الأعمال، والعمل في مجال الصحة المجتمعية. كما يتسم عملهن بأهمية كبيرة لنمو الاقتصاد الوطني. لكن رغم هذا التقدم يبقى هناك كثير من التحديات التي لابد من مواجهتها وحلها. ففي كثير من المناطق الريفية تتلقى اللائي يلتحقن بمهنة التدريس رسائل إنذار من مجهولين، لا تهدد حياتهن مباشرة فحسب، بل حياة أطفالهن أيضاً. ورغم أن الدستور ينص على تمثيل النساء في البرلمان بنسبة 25 في المئة من المقاعد، فإن تعرض المشرعات للقتل وتهديدات القتل أرغمت الكثيرات منهن على الابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة. أما البقية فهن مسكونات بالرعب اليومي. وهناك من القادة الأفغان من ارتفع صوته دفاعاً عن حقوق النساء وشجباً للعنف الذي يتعرضن له. لكن هناك من تواطأ مع العنف ضد النساء بصمته خوفاً على نفسه. ومهما يكن، فعلى جميع القادة الأفغان أن يدركوا أن السلام المستدام لن يسود بلادهم إذا ما اعتقدوا أن بالإمكان بسط السلام عبر المساومة بحقوق نصف سكان المجتمع الأفغاني. كما عليهم أن يدركوا أن الجرائم المرتكبة بحق النساء، تهدد أمن المجتمع الأفغاني بأسره، رجالاً ونساءً على حد سواء. وبهذه المناسبة لنذكر ارتفاع صوت إحدى النساء الكويتيات المدافعات عن حقوق المرأة الكويتية قبل أربع سنوات بالقول: إن "نصف الديمقراطية لا يعني الديمقراطية الحقة". وقد كان لتلك العبارة صداها في أنحاء الكويت كلها، ما سرع بمنح النساء الكويتيات حق التصويت في العام نفسه. واليوم تناهض رولا داشتي بعباراتها القوية، ممارسات قهر النساء واضطهادهن، سواء كانت هذه الممارسات في أفغانستان أم غيرها من الأمم والشعوب. فهي مثل شقيقتها الكويتية تقول: إن ديمقراطية تسمح بإسكات نصف مجتمعها خوفاً وتهديداً وعنفاً، لا يمكن أن تكون ديمقراطية على الإطلاق. كما أنه لا يمكن أن يوصف مجتمع يعجز عن حماية حقوق نسائه بأنه مجتمع حر. وعلى القادة الأفغان الدفاع عن حقوق النساء بأفعالهم وسياساتهم، وليس بمجرد الكلام المعسول عن مناصرتهن. وليعلم هؤلاء القادة أنه ما من سبيل لعقد المصالحة الوطنية السياسية عن طريق التضحية بحقوق النساء. والحقيقة أن التضحية بهذه الحقوق لن تؤدي بأفغانستان إلا إلى طريق النكوص عن التقدم الذي أحرزته خلال السنوات الأخيرة الماضية، ما يعني عودة البلاد مجدداً إلى أيام ظلامية "طالبان". والسؤال الآن: هل تكون أفغانستان دولة تشد من أزر النساء وعضدهن وتمكنهن من دخول الحياة العامة من أوسع أبوابها، أم تكون دولة تقهر فيها النساء وتسلب فيها أبسط حقوقهن؟ ها هي لحظة اتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة. ومن واجب الأفغان أن يستثمروا هذه اللحظة الفاصلة من تاريخهم، أقصى ما يكون الاستثمار. لورا دبليو. بوش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سيدة أميركا الأولى سابقاً، ومستشارة حالياً لمجلس النساء الأفغانيات ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"