أمضيت شهر أغسطس بكامله في موسكو. فمن كان في العاصمة الروسية آنذاك لن ينسى يوماً السحب الدخانية الكثيفة الناجمة عن الحرائق الهائلة في المناطق المجاورة والتي خنقت المدينة لأسابيع. فبدت المدينة مغمورة بواقع مغاير، إذ عانى الناس، والنبات والحيوانات العذاب والإحباط والخوف. وحتى مؤخراً، تحدث العديد في روسيا، ومن بينهم أعضاء من النخبة الحاكمة عن الاحتباس الحراري، ولكنّهم كانوا يشكّون بذلك مع ازدراء البيانات العلمية. بيد أنّ دائرة الشكوك هذه تقلّصت اليوم. ولكن بالطبع، هذا التفاوت غير الطبيعي في الطقس هو من ضمن العديد من التفاوتات الأخرى التي ظهرت في هذا العام. فكانت انزلاقات التربة في الصين، وارتفاع نسبة الجفاف بشكل استثنائي في أستراليا والهند، بالإضافة إلى الفيضانات في باكستان وأوروبا الوسطى، وغيرها. فالعام 2010 سيكون أبرز الأعوام من خلال نسبة الاحتباس الحراري المرتفعة، في حين تم الحديث في شهر أغسطس الماضي عن انجراف قطعة جليدية كبيرة، تضاعف حجم باريس، ومصدرها النهر الجليدي في جرينلاند، فكانت هذه الأخبار بمثابة تهديد يسبّبه الاحتباس الحراري. ولكن في المقابل، وعلى الرغم من الخطر الواضح والمتزايد لتغيّر المناخ، فإنّ وتيرة المفاوضات والإجراءات المعتمدة لمواجهته شهدت تراجعاً. فالشعب يشعر بالإحباط إزاء قدرة الحكومات على مواجهة المشكلة بفعالية. وهذه المسألة قد تؤدّي على نحوٍ محفوف بالمخاطر إلى تحرّر الشعب ولا مبالاته. ما الذي حصل؟ ما سبب هذا الانحراف كلّه في العام الذي تلا مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في كوبنهاجن السابق لأوانه؟ تكمن الأسباب في فشل القادة السياسيين وضعف الإرادة في صفوف الذين خضعوا للمصالح المكتسبة فضلاً عن عدم قدرة الحكومات على القيام بتسويات تلبي المصالح المختلفة في معظم الأحيان وهي تابعة لأبرز محرّكي العجلة الاقتصادية والسياسية في العالم. وتجدر الإشارة إلى أنّ مؤتمر كوبنهاجن لم يأت بالتوقعات المنتظرة. فالهوة الكبيرة بين الدول النامية والدول المتقدمة وقفت حجر عثرة في طريق الهدف الرئيس والطموح لاتفاق المناخ العالمي. وبدل أن تقوم وسائل الإعلام بتحليل أسباب هذا الإخفاق وتعقيداته، وتحثّ على العثور على حلول واقعية وبناءة، سارعت هذه الأخيرة إلى وصف هذا المؤتمر بالفشل المدقع. فبعض المعلّقين رفعوا أيديهم بيأس في حين شعر آخرون بالارتياح، ولكن قلّة هم الذين قدّموا تحاليل جيدة ودقيقة أو أفكاراً إيجابية. ونذكر في هذا الإطار فضيحة "كلايمت جيت"- المهندسة بشكل دقيق والتي اختلست اقتباسات من رسائل البريد الإلكتروني لعلماء المناخ– وحملة لتكذيب اللجنة الدولية للتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة التي ساعدت أيضاً على تضليل الشعب إلى حدّ كبير. فحالياً ما من شيء مفاجئ في عناوين الصفحة الأولى الرئيسية التي تسلّط الضوء على اتهامات دُحضت في ما بعد: إذ يتم تمويل مجالس الشركات التي تنظّم حملات لمكافحة التغيير المناخي بإسراف، مستنزفة بالتالي من يدعم الخطوات الضرورية بنسبة 7 مقابل واحد. وتظهر الإعانات المالية السنوية بقيمة 550 مليون دولار وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة توجيهها إلى قطاع الوقود الأحفوري في مجال الطاقة. هذا صحيح، فقد أعلنت مؤخراً مجموعة العشرين للقوى الاقتصادية عن إعانات مماثلة – ولكن "على المدى المتوسط." يدرك الجميع أنّه لا يمكن تجاهل مسألة التغييرات المناخية، فلا تزال المفاوضات المتعلقة بكيفية مكافحة التغييرات المناخية مستمرة. وبعد الجولة الأخيرة من المحادثات في الصين، أسنأنفت الأمم المتحدة أعمالها في مدينة كانكون في المكسيك. بيد أن المشاركين يبدون قلقهم المتزايد حيال "الحد من التوقعات" بدلاً من تحقيق النتائج الأولى الملموسة. ولا يزال الدبلوماسيون والخبراء يعلّقون على مسائل تقنية، في حين سُمعت أصوات تؤيد أبسط الحلول الممكنة، أو إعادة تهيئة العملية حتى، آملين أن يأتي قطاع الأعمال بحلول تكنوقراطية للتغييرات المناخية. ولكن على هذا النحو لن نمضي قدماً، فعلى الرغم من اضطلاع قطاع الأعمال بدور رئيس في الانتقال إلى اقتصاد قليل الكربون - مع قدرته على تكييف تقنيات جديدة وجني الأرباح منها، إلا أنّ هذا القطاع ساذج، على الأقل، بحيث لا يمكننا أن نتوقّع منه أن يصبح المحرّك الرئيس لهذه العملية. فالواقع أنّ مجتمع الأعمال سيقوم دائماً بالأفضل: فيبحث عن مصالحه الخاصة ويضاعف الأرباح على المدى القصير. أما في ما يتعلق بالنظرية التي تفيد أن "السوق الحرة"، هي الحل لكل شيء، فيجدها البعض مقنعة وبوجهٍ خاص بعد أن قاد مؤيدوها الاقتصاد العالمي إلى حافة الهاوية. أما الاقتراحات التي تفيد أنّه يجب ترك الصراع لمكافحة الفوضى المناخية لأكثر الدول "تقدّماً" فهي غير مقبولة البتة. لن يتسبب ذلك في انتهاك دور الأمم المتحدة والإساءة إلى مصداقيتها وحسب، بل قد يؤدي إلى توسيع نطاق الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة. ومن الواضح أنّه يتعيّن على الدول التي تنمّي قوتها الاقتصادية، أن تتحمّل المسؤولية الأكبر تجاه البيئة، فعلينا إقناعها أنّ ذلك يخدم مصالحها بشكلً جيد؛ كما يجب أن نبذل قصارى جهدنا لإنشاء حوافز تتيح لها اعتماد تقنيات الطاقة الفعالة والوقود البديل، بالإضافة إلى تحفيز الدول المستعدة لنقل هذه التقنيات إلى الدول النامية. ويمكن عقد اتفاقيات بهذا الشأن ضمن إطار عمل متعدد الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة فقط. وبالتالي، وعلى الرغم من كون عام 2010 أكثر الأعوام خيبة بالنسبة إلى الذين يدعون إلى اتخاذ الخطوات الضرورية للحفاظ على كوكبنا، فليس بوسعنا تحمّل فرضيات الفشل أو التشاؤم. لم يرضخ العديد من الأشخاص في المجتمع المدني للانهزامية، وهم مستعدون لاتخاذ تدابير تفرض على الحكومات الاستماع إليهم. ومن المأمول أن غريزة الحفاظ على الذات في كوكبنا أن تلزم القادة العالميين باستئناف مفاوضات جدية ذات أهداف طموحة. -------- ينشر بترتيب مع خدمة "نيويورك تايمز"