يجادل أنصار اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بضرورة اعتماد هذه الاتفاقية من أجل النهوض باقتصادنا ومكافأة حليف في منطقة مضطربة على علاقته الأمنية القوية بالولايات المتحدة وتمتين هذه الروابط الأمنية القوية بعلاقة تجارية أقوى. غير أنه إذا لم يكن هناك شك في أن كوريا الجنوبية حليف قوي للولايات المتحدة، فإننا في حاجة لضمان ألا تُضعف الاتفاقيةُ المصالحَ الاقتصادية والأمنية عبر إفادة كوريا الشمالية وخدمة مصالحها. فعلى بعد ستة أميال فقط من المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل "الشمال" عن كوريا الجنوبية، توظف المصانع التي تديرها الشركات الصناعية الكورية الجنوبية العملاقة نحو 40 ألف كوري شمالي في هذا المركز الصناعي التعاوني، المعروف باسم منطقة "كايسونج" الصناعية؛ ولكن العمال لا يتقاضون أجورهم من مشغليهم الكوريين الجنوبيين بشكل مباشر، ولكن أجورهم تُدفع للحكومة الكورية الشمالية التي تدفع للعمال ما تختاره. وعلاوة على ذلك، فالعاملون في منطقة "كايسونج" الصناعية لا يستفيدون من أي من الحقوق التي يتمتع بها العمال في جنوب المنطقة منزوعة السلاح تقريباً. وقد انتُقدت ظروف العمل في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان؛ ويشير بعض منتقدي الاتفاقية إلى أن المنشأة أشبه ما تكون بمعسكر لعمل السخرة. والواقع أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تتعاونان وتعملان معاً على عزل كوريا الشمالية على نحو فعال؛ ولكن المقاربة الصارمة الطاغية حاليّاً في سيئول لم تؤثر على علاقة كوريا الجنوبية العاطفية بمجمع "كايسونج". إذ على رغم زيادة التوتر والمخاوف الحقيقية من الحرب في شبه الجزيرة الكورية، إلا أن "كايسونج" مستمر في العمل بدون توقف منذ افتتاحه في أواخر 2004. ولئن كانت واشنطن تحاول عزل النظام الكوري الشمالي اقتصاديّاً من خلال برنامج صارم للعقوبات الأحادية ومتعددة الأطراف، فإن بيونج يانج تجني حوالي 3 ملايين إلى 4 ملايين دولار شهرياً من مجمع "كايسونج"، إضافة إلى ملايين إضافية من الرسوم المتنوعة التي تدفعها الشركات الكورية الجنوبية. وغني عن البيان أن ذلك يمثل مبلغاً مهمّاً جداً بالنسبة للحكومة الكورية الشمالية المفتقرة للمال. ولكن لأسباب تتعلق بالأمن القومي والعمالة وحقوق الإنسان، يتعين على الولايات المتحدة أن تتحقق من عدم استفادة أي منتجات من "كايسونج" من إعفاء الرسوم الجمركية أو أي معاملة تفضيلية أخرى في إطار اتفاقية التجارة الحرة المعلقة. وفي هذا السياق، يجب ألا يُسمح بدخول أي منتج من "كايسونج" (أو أي منتج مصنع من كوريا الشمالية) إلى الولايات المتحدة. فأن نطلب من العمال الأميركيين التنافس مع واردات معفية من الرسوم الجمركية مصنوعة من قبل كوريين شماليين يتلقون أجوراً هزيلة فهذا ليس في مصلحتنا الوطنية. صحيح أن العقوبات الأميركية الحالية تقيِّد أصلًا الواردات من كوريا الشمالية؛ ولكن تلك السياسة يمكن أن تغير بجرة قلم لأن القيود الحالية مبنية على قوانين تسمح للفرع التنفيذي بفرض أو إزالة عقوبات بدون مساهمة ذات معنى من الكونجرس. ثم إن اتفاقية التجارة الحرة لا تأتي على ذكر حظر على السلع الكورية الشمالية؛ بل إن أحكامها في الأصل تسمح على ما يبدو بدمج السلع الكورية الشمالية ضمن المنتجات الكورية الجنوبية ومنحها إعفاء من الرسوم الجمركية في إطار بنود الاتفاقية. وعلى سبيل المثال، فإن السيارات التي تشتمل على 35 في المئة فقط من المحتوى الكوري الجنوبي ستتلقى معاملة تفضيلية في إطار الاتفاقية. والحال أنه إذا قامت الولايات المتحدة بمنع السيارات ذات 65 في المئة من المحتوى الكوري الشمالي من دخول الولايات المتحدة بدون دفع الرسوم الجمركية، فإننا سنكون في حالة خرق للاتفاقية، وفق مسودتها الحالية. وسيتعين علينا في تلك الحالة السماح بدخول هذه المنتجات إلى بلادنا، وإلا فإننا سنواجَه بفرض تعرفة انتقامية قانونية على المنتجات الأميركية، وبالتالي خسارة الامتيازات الاقتصادية لاتفاقية التجارة الحرة. والواقع أن مسودة الاتفاقية الحالية لديها أيضاً آلية للإعلان عن المواد المصنوعة في "كايسونج" بشكل كامل كسلع ذات أصل كوري جنوبي مؤهلة تماماً لدخول السوق الأميركية بدون قيود. وتفسيري للاتفاقية ذات اللغة الفضفاضة والغامضة هو أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تُتخذ في أي وقت من قبل هذه الإدارة، أو الإدارة المقبلة، بدون موافقة من الكونجرس. وقد أشار رئيس الوزراء الكوري الجنوبي السابق، وسفير كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة حاليّاً، إلى أهداف الاتفاقية خلال زيارة إلى "كايسونج" في ديسمبر 2007 إذ قال: "إن المصادقة المخطط لها على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ستعبد الطريق لتصدير المنتجات المصنوعة في كايسونج إلى السوق الأميركية". ويمكن القول إنه محق، بالنظر إلى أحكام وبنود المسودة الحالية. لقد عقدتُ جلسات استماع في لجنة الإرهاب وحظر الانتشار النووي والتجارة، قبل أكثر من ثلاث سنوات، سألت فيها مسؤولين من إدارة بوش السابقة حول بواعث قلق تنتابني بخصوص إمكانية أن تستفيد كوريا الشمالية من هذه الاتفاقية، من خلال تصدير سلع إلى الولايات المتحدة مثلاً. وسألتُ بشكل خاص مسؤولاً من مكتب ممثل التجارة الأميركية حول ما إن كان ضروريّاً تمرير قانون لتوفير "الموافقة التشريعية"؛ ولكن المسؤول تحاشى الجواب؛ وهكذا، كتبت إلى ممثل التجارة الحالي رسالة في التاسع من فبراير الماضي أسأله فيها السؤال ذاته؛ ولم أتلق بعد جواباً أيضاً. وخلاصة القول إنه لابد من تغيير نص الاتفاقية، ولابد من أن يؤكد التشريع المطبق بشكل واضح لا لبس فيه على أن أي منتج يحتوي على مكونات مصنوعة في كوريا الشمالية يعتبر محظوراً. كما يجب أن يؤكد أيضاً على أن أي قرار لتطبيق أحكام الاتفاقية على مجمع "كايسونج"، أو أية منشأة أخرى على الأراضي الكورية الشمالية، يجب أن يحصل على موافقة واضحة من قبل الكونجرس. والأكيد أنه لا يمكن السماح لكوريا الشمالية بالاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة؛ ولكنني أخشى أنها ستستفيد على الأرجح إذا ظلت مسودة الاتفاقية على حالها. براد شرمانس عضو بمجلس النواب الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"