ما الذي يمكننا قوله عن المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي لهذا العام؟ حسناً يمكننا أن نبدأ بالقول إن صفوف الديمقراطيين موحدة وراء "قائد قوي"، عقد العزم على أن يزيد الولايات المتحدة عزماً وقوة، عن طريق تعزيز علاقاتها الدولية مع بقية أسرة المجتمع الدولي. وفيما لو كنت من الذين فاتهم المؤتمر، فإن كلمة "قوي" هي في الواقع كلمة السر هنا في مدينة بوسطن، لكونها الكلمة الأشد صدى ورنيناً، في كل الشفاه، ولكونها الرسالة الأهم، في المؤتمر كله.
أما بالنسبة لأعضاء وفود المؤتمر من مختلف القواعد الانتخابية للحزب، فإن الذي يؤرقهم فعلا، هو رغبتهم العارمة في الفوز بالمعركة الانتخابية، بأي ثمن كان. وفيما يبدو فإن هذا التطلع الجامح للفوز، هو الذي وحد صفوف الديمقراطيين، أكثر من أي شيء آخر، في مؤتمرهم هذا. وقد التقطت التغطيات الإعلامية - سيما التلفزيونية منها- أجواء الإثارة السياسية التي سادت المؤتمر، حتى بدت المناسبة في شاشات التلفزة وكأنها برنامج للاحتفال بتوزيع جوائز الأوسكار السينمائية، أكثر من كونها مناسبة سياسية انتخابية، بكل ذلك القدر من الأهمية.
ومن جراء تلك الإثارة الطاغية على المؤتمر، كان المتحدثون يسابقون الزمن، ويصرون على مقاطعة التصفيق، حتى يدلي الواحد منهم، بكل ما يود قوله خلال المدة المحددة له، التي تتراوح ما بين عشر إلى خمس عشرة دقيقة.
وعلى أية حال، فسوف تعقب هذا المؤتمر بعدة أيام، حملة لاستطلاعات الرأي العام، وستكشف النتائج ما إذا كان مؤتمر بوسطن ضربة انتخابية صائبة، وما إذا كان كل من الديمقراطيين والجمهوريين قد حدد بشكل نهائي الإطار السياسي الانتخابي لحملته التي تستهدف استقطاب الجمهور، وحصد أصوات الناخبين لصالحه. وبالطبع فإن لكل من الحزبين حساباته، وسوابقه التاريخية، التي يستطيع أن يحكم من خلالها حول ما إذا كان المؤتمر الحزبي القومي الديمقراطي الأخير، ناجحاً أم خلاف ذلك. أما نحن هنا في عالم الصحافة، فسنعول على الأرقام التي تتوصل إليها حملات استطلاع الرأي، ونبني تغطياتنا عليها، كما لو كانت تعني شيئا بالفعل.
غير أن الأرقام لن تؤدي دورها على النحو الدقيق الذي نرجوه منها، في انتخابات هذا العام بالذات. فلا أحد يعلم-على رغم كل الذي يقال- ما ستؤول إليه النتيجة النهائية للمعركة الانتخابية بالضبط. وإذا كان متوسط زيادة الأصوات في المؤتمرات الحزبية السابقة خلال العشر سنوات الماضية، هو ست نقاط، فإن على جون كيري وزميله إدواردز، أن يحصلا من المؤتمر الأخير، على ست نقاط على الأقل، حتى يوصف بأنه مناسبة انتخابية ناجحة ومثمرة بالنسبة إليهما. وفي المقابل، فإن تجربة الخمسين عاماً الماضية، تقول إنه ما من أحد من الرؤساء السابقين، حقق تفوقاً وارتفاعاً في الأصوات، عقب انعقاد المؤتمر الانتخابي القومي للحزب المنافس. فقد خاب فأل الرؤساء جميعاً من خلال رصد التجربة العملية في هذا الجانب. وعليه، فإذا ما حقق كل من جون كيري، وزميله جون إدواردز، تقدماً ملحوظاً على بوش في المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي، فإن ذلك مما يحمل على التوقع بأن موقفها الانتخابي جيد حتى هذه اللحظة، على المستوى النظري. لكن وبما أن الجو الطاغي على انتخابات هذا العام، هو انقسام الرأي العام، والشعور باللايقين تجاه كل شيء، فإنه يصعب من الناحية العملية، التعويل على هذه السوابق التاريخية، والقول إنها يمكن أن تفعل فعلها هذه المرة أيضاً، ويكون لها معنى في المعركة الفاصلة، التي ستجرى في شهر نوفمبر المقبل.
لنضع هذا جيداً في الحسبان، ونحن نستعيد ذكر ما جرى في انتخابات عام 1988 و1996، ونحن نمضي نحو الأيام القليلة المقبلة. فبينما يبدأ المرشحان الديمقراطيان حملة حصادهما للأصوات الانتخابية خلال الثلاثة أشهر المقبلة، ويعملان على التقدم على منافسيهما في الحزب الجمهوري، في كل من ولايات بنسلفانيا، وويست فرجينيا، وأوهايو ومتشيجان، وغيرها من الولايات الحاسمة الأخرى، فإنهما سيعملان على استغلال كل الطاقة والوقود اللذين تزودا بهما خلال الأيام الأربعة لانعقاد المؤتمر القومي لحزبهما. ومن المرجح أن يمضيا أسبوعاً إضافياً آخر، على جولتهما الانتخابية المقررة قبل المؤتمر.
وعلى أية حال، فإن أي تفوق إعلامي تحرزه حملة كل من كيري وإدواردز، لن يعنى شيئاً حقيقياً فيما يخص النتيجة النهائية التي ستسفر عنها الحملة الانتخابية. وما من شيء آخر يمكن أن يحسب تفوقاً وتقدماً انتخابياً واضحاً على الخصوم، سوى تقدم الفريق الانتخابي العامل مع المرشحين الديمقراطيين، على فريق منافسيهما في الحزب الجمهوري. فمع الاعتراف بالدور الحاسم الذي يلعبه الإعلام بمختلف وسائله، في الحملات الانتخابية وحشد الناخبين واستقطابهم، إلا أن النتيجة النهائية لعملية التصويت، لا تحسم بالدعاية الإعلامية، وإنما بالأصوات الحقيقية للناخبين، وتعبئتهم للتصويت لصالح مرشحي هذا الحزب أو ذاك. وهذا هو عمل اللجان أو الفريق الحزبي الداعم لمرشحي الحزب المعين. ول