هي تقول إن هناك حاجة للمزيد من أوروبا، وهو يقول إن هناك حاجة لتقليص أوروبا، فكيف يمكن حل هذا الخلاف؟ ما رأيكم أن نؤجل البحث في الأمر برمته، حتى نعرف ما حدث بالضبط؟ في بداية هذا الأسبوع، أعربت كل من المستشارة الألمانية ميركل ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون عن رأيهما فيما بدا واضحاً أنه أكبر أزمة تطال المشروع الأوروبي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ففي كلمته أمام الحاضرين في مأدبة عمدة لندن طالب كاميرون أوروبا بأن تتمتع "بمرونة الشبكة، لا بصلابة الكتلة". وقال: "نحن المتشككون لدينا نقطة حيوية يجب إيضاحها وهي أنه يجب النظر بتشكك إلى الخطط الكبيرة والرؤى الطوباوية". وأضاف: "هذه الأزمة توفر لنا فرصة... وفرصتنا في بريطانيا هي أن نرى الصلاحيات وقد انحسرت مرة أخرى بدلاً من أن تتزايد. أما الفرصة التي توفرها للاتحاد الأوروبي فهي أن يركز على ما هو مهم فقط". واختتم كلمته بالقول: "إن ما نريده باختصار هو أوروبا أقل". أما ميركل فقالت أمام مؤتمر حزبها الحاكم في مدينة ليبزيج "إن المهمة الملقاة على عاتق جيلينا هي استكمال الاتحاد الاقتصادي والمالي مع أوروبا، مع العمل خطوة خطوة على خلق اتحاد سياسي". وأضافت: "إذا لم تكن أوروبا على ما يرام فإن ألمانيا لن تكون على ما يرام، خصوصاً في الوقت الراهن حيث تجد أوروبا نفسها أمام أخطر مرحلة منذ الحرب العالمية الثانية". ثم قالت: "لذلك فإن الاستجابة تكمن ليس في تقليص أوروبا، وإنما في تعزيزها وزيادتها، وألمانيا بالذات يجب أن تقود الطريق فيما يتعلق بسياسة أوروبا الداخلية من خلال اتخاذ إجراءات تشمل فرض عقوبات فورية على أعضاء منطقة اليورو الذين لا يستطيعون، أو الذين لن يعملوا على ترتيب بيتهم الاقتصادي من الداخل، إضافةً بالطبع إلى فرض ضريبة على التعاملات المالية في منطقة اليورو على أقل تقدير". ينبغي علينا بداية أن نقول بوضوح إن ألمانيا لم تسع لهذا الدور القيادي وأن الشيء الذي يريده معظم الألمان حالياً هو أن يُتركوا وشأنهم حتى يزدادوا ثراءً، ويعيشوا الحياة بطريقتهم، بمعنى أن يكونوا نسخة مكبرة من سويسرا. وهنا تكمن المفارقة، فالاتحاد المالي الأوروبي الذي كان مقصوداً به (على وجه الخصوص من جانب فرنسا) أن يربط ألمانيا الموحدة بأوروبا، هو ذاته الذي يدعو الألمان حالياً لأن يقولوا للآخرين بقوة وحزم ما الذي يتعين عليهم عمله، وأنه طالما أنهم هم الذين سينقذون اليونان والبرتغال وإيطاليا من عثراتها، فإنه يغدو من حقهم أن يضعوا الشروط مقابل تقديم المساعدة. لقد سمعت ميركل ذات مرة تصف المأزق الذي تواجهه ألمانيا فيما يتصل بعلاقتها بأوروبا قائلة: "إذا لم نقدم، يتهموننا بضعف التزامنا بأوروبا، وإذا ما قدنا يتهموننا باستعراض القوة". وفي رأيي أن ميركل واجهت التهمة الأولى لمدة عامين وحالياً تواجه التهمة الثانية. لذلك فإني أرحب بحقيقة أنها قد عبرت عن رؤية ألمانيا لأوروبا والطريق الذي يجب أن تمضي فيه. بيد أن ميركل تواجه مشكلتين مع ذلك: الأولى تتعلق بالأسلوب والثانية بالجوهر. والمشكلة الخاصة بالأسلوب لا تتعلق بميركل ذاتها وإنما بأعضاء حزبها الذين لا يجدون غضاضة في التعبير عن الوضع المتفوق الذي تجد ألمانيا نفسها فيه حالياً باستخدام عبارات تنم عن الزهو والغطرسة كتلك العبارة التي استخدمها "فولكر كاودر" زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطيي المسيحي الحاكم، وهي: "أوروبا تتحدث الألمانية الآن". وبعد أن أدلى بهذه العبارة التي سوف يندم عليها كثيراً، مضى كاودر للقول: "الآن نجد أن الألمانية باتت بين ليلة وضحاها أداة الحديث في أوروبا، وأنا هنا لا أقصد اللغة وإنما قبول الأدوات التي ناضلت ميركل من أجلها طويلاً". لكن ما هي رؤية كاميرون لأوروبا البريطانية. في الوقت الراهن نسمع كاميرون يشجب "الرؤى الطوباوية"، لكنه لا يقول شيئاً عن رؤيته (رؤية طوباوية هي الأخرى) حول الكيفية التي ستعمل بها أوروبا المتصلة ببعضها شبكياً في الواقع العملي. وفي رأيي أن كاميرون إذا لم يعبر عن أفكاره بالنسبة لأوروبا، فإن الجميع سوف يتوصلون إلى خلاصة مؤداها أنه لا يمتلك سوى سياسة خاصة ببريطانيا، أو شيئاً أقرب من ذلك أي مجرد تكتيك لتجنب تعرض ائتلافه الثلاثي لخطر التمزق. لذا أقدم اقتراحاً متواضعاً لإحياء فرص عقد اجتماع المجلس الأوروبي في ديسمبر، يتمثل في أن تقوم ميركل أثناء حفل العشاء الرسمي بتقديم تصورها عن أوروبا الألمانية، ويقوم كاميرون بتقديم تصوره عن أوروبا البريطانية، وبعد ذلك يقوم الحاضرون من الزعماء بالتصويت في اقتراع سري على الجانب الذي سينحازون إليه. على أن يتم بعد ذلك تسريب النتيجة للإعلام وهي نتيجة نستطيع -حتى في هذه الأوقات التي يسودها عدم التيقن- أن نعتمد عليها! _______________________________________________ زميل رئيسي بمعهد هوفر وأستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أكسفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"