الشخصيات الكبرى هي التي تصنع التاريخ. فلو لم يكن جورباتشوف مثلاً هو آخر رئيس سوفييتي لكان العالم قد تغير كثيراً عما هو عليه الآن. لذلك، فإن شخصية وآراء "تشي جينبينج"، نائب الرئيس والرئيس الصيني المحتمل الذي يزور الولايات المتحدة حالياً، تهم القادة الأميركيين كثيراً. وأفضل سيرة شخصية مختصرة عثرت عليها عن "جينبينج" كانت في سياق كتاب "جوناثون فينبي" الذي سيصدر قريباً تحت عنوان "رأس الفهد وذيول الثعابين"، وإن كانت تلك السيرة قد تركت الكثير من جوانب سيرته دون التطرق إليه، مثل معاناته أثناء الثورة الثقافية الصينية في الستينيات، والميول الإصلاحية لوالده، وبراغماتيته المعروفة، والتي تؤشر على أنه قد يكون من نمط الشخصيات القادرة على الدفع بعجلة الإصلاح السياسي في بلاده، والتي تمتلك من الصفات ما يهيئوها لفهم الغرب. هناك معطيات أخرى تتناقض مع هذا الاستنتاج مما قد يؤثر على إمكانية التنبؤ بما إذا كان الرجل مصلحاً عظيماً، كما يعتقد البعض أو واقعياً عنيداً كما يرى البعض الآخر. وكما حدث مع جورباتشوف فإن القادة الغربيين قد يستطيعون معرفة بعض الملامح من شخصية الرجل حالياً، أما فيما يتعلق بما يستطيع عمله، وما يقدر عليه، فأمر لن تتسنى معرفته إلا عندما يتبوأ الرجل موقع المسؤولية الأولى في بلاده. صحيح أن الشخصيات الكبرى هي التي تصنع التاريخ، لكن من الصحيح كذلك أنها لا تصنعه على هواها. فحتى عندما يتولى "جينبينج" منصب الرئيس عام 2013، فسيجد أمامه العديد من المحددات والقيود التي ستتحكم في حركته، منها أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني قد باتت جماعية، ومنها التوترات الاقتصادية والاجتماعية التي سيتعين التعامل معها، ومثل مشكلة الدين الداخلي، والهوة بين المناطق الحضرية والريفية، بالإضافة إلى المشكلات التي بقيت من دول حل لإقليم "شينجيانج"، وصوت الرأي العام المتصاعد من احتجاجات الشوارع ومواقع التدوين على الإنترنت والناقد لمظاهر الفساد الحكومي وسوء الإدارة... بالإضافة للعديد من الحقائق المستجدة على الساحة والتي تؤشر على منافسة شديدة على النفوذ والسيطرة من خلال الحشد العسكري المتزايد لبلاده والولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ. كيف إذن يمكن للغرب التعاطي مع الصين، والعكس بالعكس؟ لقد رأيت هذا الشهر نموذجين مثاليين: واحد يخبرنا ألا نفعل ذلك، أي ألا نتعاطى مع الصين، والثاني يخبرنا كيف يجب علينا القيام به. في مؤتمر ميونيخ الأمني كرر "تشاي جيون"، نائب وزير الخارجية الصيني، وعلى نحو مسهب، الأقوال المألوفة عن أن آسيا قد "اختارت طريقاً مختلفاً عن الغرب، وأن كل ما يتوجب على الغرب عمله هو أن يترك الصين تمضي في طريقها الخاص بها". بل ذهب "جيون" لحد القول بأنه "ليست هناك أي مشكلات في بحر الصين الجنوبي وأن الجميع يتمتعون بحرية الملاحة هناك". النموذج الثاني تمثل في التصريحات اللاذعة التي أدلى بها وزير خارجية أستراليا "كيفن رود" الذي يتحدث الماندرين عندما قال إن الناس في أوروبا لم يتنبهوا بعد لحقيقة ما يحدث في الصين، ولا يعرفون أن الصين سوف يصبح لديها أكبر اقتصاد في العالم خلال العقد الحالي، ما يعني أنه وللمرة الأولى منذ حوالي 200 عام سوف يصبح الاقتصاد الأكبر في العالم اقتصاداً لدولة غير ديمقراطية، ولأول مرة منذ 500 عام لن يكون هذا الاقتصاد غربياً. وكان مما قدمه "رود" تحليلاً وصفه بأنه "موثوق" يفيد بأن من المرجح أن يفوق الإنفاق العسكري للصين نظيره في الولايات المتحدة بحلول 2025، ما يعني أن هيمنة القوة الأميركية في آسيا لن يمكن الاعتماد عليها لمواجهة العديد من التحديات الخطيرة في تلك المنطقة. وأجمل "رود" الحديث عن النمو الهائل في الحرية الشخصية والرخاء في الصين على مدى الثلاثين عاماً الماضية، والمسافة التي لا يزال يتعين عليها قطعها حتى يمكن أن توصف بأنها دولة محكومة حكماً جيداً بموجب القانون. وذلك كله يعني أن الولايات المتحدة والصين يجب أن تكونا مستعدتين للدخول في حوار حول النظام العالمي، بحيث يمكن لكل دولة أن تظل متمسكة بقيمها ومبادئها، وتبحث في نفس الوقت عن المساحة المشتركة بينها وبين الدولة الأخرى، وتحدد أين يمكن تحقيق التسويات والمواءمات، وأين يمكن الاتفاق، وأين يمكن الاختلاف. ربما لا تنجح هذه المقاربة، لكن سيكون من الحمق ألا نحاول البدء بها. لذلك فمن رأيي أنه يتعين على أوباما وجينبينج التخطيط لقضاء عطلة صيفية على شاطئ هادئ في أستراليا مثلاً، ليتباحثا سوياً حول تلك الأمور. قد يكون من قبيل المبالغة في التوقعات أن نتوقع إمكانية نشوء روح زمالة وطيدة ترتفع فيها الكلفة بين الصينيين والأميركيين خلال تلك المباحثات، ولكن من الضروري للطرفين أن يدشنا معاً مناقشة استراتيجية صريحة حول القيم العالمية وأسس النظام العالمي. تيموثي جارتون آش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "أكسفورد" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"