إذا لم تكن قد توصلت إلى معرفة ما يحدث في الحملة الانتخابية الأميركية المحتدمة الآن بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإننا نقول لك إن تلك الحملة قد ركزت في الأيام الأربعة الأخيرة على موضوع "الحرب على الإرهاب". فالمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي عقد مؤخراً، كان عبارة عن أغنية ذات نغمة واحدة فقط هي نغمة الحرب على "الإرهاب".
ليس قصدنا من ذلك أن نصف ما تم في هذا المؤتمر بأنه قد مثل استراتيجية أو سياسة رديئة، وإنما قصدنا هو أننا نصف ما حدث في هذا المؤتمر ليس إلا. وما حدث في هذا المؤتمر شيء يساعد- كما يبدو- على توحيد آراء المشاركين في الحملة الانتخابية الأميركية الحالية، سواء كانوا من الجمهوريين أم من الديمقراطيين. لقد تطايرت التنبؤات هنا وهناك، ولكن المسؤولين عن حملة "بوش"، أوضحوا بجلاء أن تلك الحملة يجب أن تركز على ما يشعرون بأنه يمثل الأساس الراسخ الذي تقوم عليه حملتهم، وهو الحرب على "الإرهاب"، تلك الحرب التي يبدي الرئيس "بوش" استعداده لعمل أي شيء من أجل كسبها.
فالرئيس حسب الصورة التي تريد حملة الجمهوريين إظهاره بها هو ذلك الرجل الحازم، صاحب العزيمة القوية- وهو شيء مهم في الحرب على "الإرهاب"- أما "كيري"، وحسب الصورة التي تريد حملة الجمهوريين إظهاره بها، فهو رجل متردد، يغير أراءه كثيراً وفجأة- وهو أمر له عواقب وخيمة أثناء الحروب. يريد مخططو حملة الجمهوريين أيضاً إثبات أن الحرب على العراق كانت جزءاً من حرب أوسع نطاقاً، وبالتالي فإنها كانت ضرورة، وأن ذلك ينطبق أيضاً على قانون الوطنية، وهو ما يثبت أن "بوش" كان- ولا يزال- على صواب- حسب رؤيتهم.
وما هو أكثر من ذلك، أننا لو نظرنا إلى ما حدث في مؤتمر الديمقراطيين، فإن ما سيبدو أمامنا بوضوح هو أن الديمقراطيين ذاتهم يعتقدون أيضاً أن الموضوع ذاته موضوع "الإرهاب" هو الذي يتحكم في توجيه مجرى السباق الانتخابي، وأن شعار هذا السباق يجب أن يكون هو:"إنه الإرهاب أيها الغبي".
والصورة التي بقيت في أذهاننا ونحن نغادر مدينة "نيويورك" هي أن الوضع لا يزال غائماً، وإن كانت الصورة قد بدأت تتضح وتقترب من البؤرة بشكل تدريجي.
وعلى رغم أن كل شخص في أميركا تقريباً يريد أن يتحدث عن الحرب على "الإرهاب"، فإن معظم هؤلاء الأشخاص غير واثقين من مشاعرهم تجاه تلك الحرب. صحيح أن موضوع "الإرهاب" يمكن أن يكون هو الموضوع الغالب على السباق الانتخابي، إلا أن الحقيقة هي أنه لا يزال غائماً إلى حد كبير في أذهان الشعب الأميركي حتى وقتنا هذا. فليس ثمة أحد يعرف على وجه التحديد ما إذا كان الرئيس "بوش" قد قام بنقل الحرب على "الإرهاب" إلى ديار "الإرهابيين" ذواتهم، عندما قرر شن الحرب على العراق- كما يقول- أم أنه قد ارتكب خطأ فظيعاً بقيامه بذلك مما ترتبت عليه زيادة غضب الأصوليين من أميركا، وزيادة درجة كراهيتهم لها؟ ليس هناك من يعرف على وجه التحديد إجابة أسئلة من قبيل: هل عدم وقوع حوادث هجوم "إرهابي" ضد أميركا يرجع إلى قانون الوطنية والإجراءات الصارمة التي تم تطبيقها بناء عليه؟. أم أنه يرجع إلى أن "الإرهابيين" لم يقرروا حتى الآن القيام بشن هجمات على أميركا. وهذه المسائل معقدة من ناحية، كما أن الفروق القائمة بينها دقيقة للغاية من ناحية أخرى.
وإذا ما أضفنا الفروق القائمة بين تلك المسائل إلى الاختلافات القائمة بين قطاعات الرأي العام الأميركي. فإننا سنصل إلى نتيجة مؤداها أن دفة ميزان السباق الانتخابي ستظل في التأرجح يميناً ويساراً، ولكنها لن تستقر بشكل نهائي خلال المرحلة المقبلة.
والشيء الذي سيحسم الجانب الذي تميل إليه الكفة، هو وقوع حدث خارجي كما قال المسؤول الاستراتيجي عن حملة "بوش" الانتخابية "ماثيو داود" في وقت سابق من هذا الأسبوع وربما يكون على حق في قوله. وهذه الحقيقة في حد ذاتها- أي وقوع حدث مفاجئ- تجعل كلا المعسكرين في حالة من العصبية الشديدة. ذلك لأن مديري كل حملة انتخابية، يحبون عادة أن يشعروا أنهم يتحكمون سراً في كل شيء، ولا يحبون أن تفاجئهم الوقائع مرة واحدة، وعلى نحو غير متوقع.
وهناك أحداث يمكن أن تجعل كفة الميزان تميل بقوة في صالح "بوش"، مثل القبض على أسامة بن لادن مثلا. ولكن هناك أيضاً أحداثاً يمكن أن تجعل تلك الدفة تميل في اتجاه "جون كيري"، مثل تزايد موجة العنف في أفغانستان والعراق، أو حدوث انخفاض كبير في عدد الوظائف المتاحة، أو في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، أو حدوث المزيد من الارتفاع في أسعار النفط. أما بالنسبة لـ"بوش" فإن الوقت الذي كان يمكن لأية أنباء اقتصادية جيدة أن تؤدي إلى تحسين صورته، فقد فات.
ولكن ماذا سيحدث لو طرأ شيء جديد؟ وماذا سيحدث إذا ما استمر هذا التذبذب في الكفة طوال الستين يوما المقبلة؟ إذا ما حدث ذلك، فإن المعنى هو أن المناقشة الدائرة حول الحرب على "الإرهاب" ستخف حدتها تدريجياً لتنتهي برأيين لا ثالث لهما: الرأي الأول هو أن الرجال الأقوياء في حاجة إلى تطبيق رؤية أميركا ا