صور ومواقف تصادفك تستقر في وجدانك لا يمكنك أن تنساها، تمثل لك شيئاً ما، عندما تعود إلى شريط الذاكرة وتتداعى لك تلك الحكايات، تبرز ملامح الصورة التي سكنت فيك لحظتها قد تفسر لماذا احتفظت بها، أو لماذا جاءتك مرة تالية وأعادت لك تفاصيل المشهد. إن فيها مغزى ولها أثر جعلها خالدة في دواخلك. قبل سنوات قريبة مرت صورة سريعة كانت مجرد(لقطة) تلفزيونية في تقرير إخباري سريع، لماذا هذه اللحظة وتلك الصورة العابرة رسخت وظلت في كثير منا، الذين تنبهوا لها في ساعة الأخبار تلك، عندي أن السبب أنها قد تكون صورة جاءت عفوية وصادقة في تفاصيلها ومشاعر من صنع بطولتها... تلك المرأة العجوز، ولأن فيها ذكر «زايد» طيب الله ثراه. كانت اللقطة من جولة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله في عدد من مدارس جزر المنطقة الغربية وأظنها كانت بمناسبة بدء العام الدراسي، رافقه يومها عدد من الوزراء والشخصيات، منهم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة. إحدى الأمهات التقاها الموكب عند مدخل المدرسة وسلّم عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وكعادته استرسل معها يطمئن على أحوال المنطقة من حديثها، وعرّفها بالفريق الذي معه. وعندما قال لها هذا سمو الشيخ منصور بن زايد، لا شعورياً هوت الأم على سموه تقبل رأسه وهي تترحم على المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أثّرت تلك الصورة فيهم، لقد فوجئوا بردة فعلها. القمة الحكومية التي تحدث فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قبل أسبوعين، تركت صدى إيجابياً كبيراً تجاوز حدود الوطن، تناقلت وقائعها وسائل الإعلام الدولية وأشاد بها الإعلام العربي عموماً، كانت القمة وحديث سموه محفزاً لوسائل الإعلام تلك لتقارن وتشيد بنجاحات القيادة وتجربة الإمارات المميزة في مختلف المجالات. القمة كانت كذلك لمن حضرها أو تابعها من خلال قنوات الإعلام المختلفة، ملهمة ومؤثرة، وحملت الكثير من الدروس وخلاصات التجارب، ولأول مرة تشعرك أنها ليست موجهة لكبار موظفي المؤسسات الحكومية، وتبادل وجهات النظر في الإدارة، كما قد يوحي اسمها، إنها خاطبت الجميع وموضوعات فيها من الشمولية والتنوع واستخدمت مختلف مهارات التقديم والتواصل. أما اهتمام الإعلام المحلي، وكذلك الإعلام الاجتماعي بمختلف وسائط تقنياته، والذي مارسته فئات متعددة سواء بالنقل أو التعليق، فأظنه فاق خطط وتوقعات المنظمين، لأنه حدث إبهار حقيقي وصدى إعلامي كبير في المجتمع، قد يكون سببه شغف الجمهور بالموضوعات والشخصيات المتحدثة أو التنسيق والتنظيم الجيد، والذي أصبح علامة تمتاز بها الإمارات في مؤتمراتها ومعارضها، كما يشهد لها الجميع بذلك. من مفاجآت هذه القمة أيضاً، أن يستمع الجمهور وقد يكون للمرة الأولى إلى نائبي رئيس مجلس الوزراء كل من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ منصور بن زايد في نقل مباشر يتحدثان في مختلف الموضوعات التي تهم المواطن والدولة. تعدد القضايا التي طرحاها والفترة الزمنية الطويلة التي تحدثا خلالها، كذلك الصراحة والمباشرة والبساطة واستخدام مختلف مهارات الجسد وفنون أساليب الإقناع والتأثير جعلت الحضور يتأثر ويصل حديثهما إلى القلوب، أكثر ما شد الناس وأثار تعليقاتهم وعبراتهم في الإعلام الاجتماعي هو حديث سموهما عن تفاصيل الحياة مع الشيخ زايد رحمه الله. كانا ضمن الفريق الذي عمل بالقرب منه بشكل مباشر وفي تواصل يومي، لهذا عندما قال سمو الشيخ منصور بن زايد أن فترة السنوات السبع التي قضاها في العمل بالقرب منه والتي كانت تتواصل «طوال اليوم، وطوال الأسبوع والشهر والسنة تساوي من الخبرة والتجربة 70 سنة».كان لا يبالغ ويعني ما يقول، وهي الخلاصة التي قد يكون قد كررها كل من عرف زايد رحمه الله سمعناها من بعضهم في مناسبات مختلفة. كان الشيخ زايد رحمه الله يتعامل معهما في الميدان كقائد، فعندما ذكر سمو الشيخ منصور موقفاً حدث له في أول أيام عمله بديوان الرئاسة، عندما وجد الكثير من الملفات التي تحتاج إلى توقيع الحاكم، فحملها له، لكنه وجد الوقت غير مناسب لعرضها، لارتباط رئيس الدولة بجدول زيارات ميدانية، فحملها وذهب معه يبحث عن أية فرصة مناسبة، وعندما تصور أن اللحظة حانت، رد عليه الرئيس: «الحين الساعة أربع ونصف العصر، شغلك إذا بغيت تخلصه تعال الصبح». كان درساً بليغاً في القيادة والحياة، عرفت - يقول سموه- أن الدوام يبدأ الساعة السابعة صباحاً، أي أن القائد أو المدير يكون حاضراً قبل الجميع، إنه نهج عمل للفريق الذي يعمل معه. وكذلك الموقف الذي ذكره سمو الشيخ سيف عندما جاءه اتصال هاتفي من الوالد الشيخ زايد في ثاني يوم من زفافه، يطلب منه معلومات عن شخص أعطاه اسمه وأنه قد يكون مقبوضاً عليه .فانشغل سموه ليلتها بالاتصال والبحث في الإدارات والإمارات المختلفة ولم يجد أثراً لذلك الاسم. طبيعي أن ينشغل باله كثيراً، فهذا طلب من رئيس الدولة، ولا يملك أية إجابة له. وعندما قابله في اليوم التالي وأخبره بذلك، شعر من ردة فعله رحمه الله عدم اهتمامه بالنتيجة، فهم سمو الشيخ سيف بن زايد الدرس جيداً، لهذا عندما حان موعد عرس شقيق له، قال له: احذر، فالوالد قد يتصل بك ليلة زفافك. كان رحمه الله قائداً يعلم الجميع وأوّلهم الفريق الذي سيتولى إدارة شؤون هذه الدولة مستقبلا، معنى أن يكون الوطن في عيون يقظة وأمينة ومخلصة، أن يكون شاغلها هذا الوطن أمنه واستقراره وتطوره وسعادة إنسانه. كان يعلمهم بالتوجيه المباشر في اجتماعاته معهم أو من خلال التجارب والإشارات التي تحمل مغزى ورسائل ودروساً في أثناء زياراته وجولاته وأحاديثه في مجلسه العامر. فالقائد، هكذا ملهم في كل أوقاته وشؤونه ومع الجميع، تتعلم منه وتتأثر به وتحاول أن تكون مثله في شخصيته وأخلاقياته وفراسته وطموحه... وهكذا كان زايد طيب الله ثراه.