بين ديسمبر عام 2011 ونهاية مارس عام 2013 مرت أزمنة ووقعت حوادث وتكشفت خبايا، وتغيرت وجوه... فهل كان علينا أن نمر بهذه التجارب، حتى نختبر وفاء البعض ونعرف مقدار الوطن وقيمته عندهم؟ مثل ما نردد دائماً فإنه لابد من التجارب والاختبار والفراسة، وإن الشدائد هي التي تصفي وتبين معادن الخلق، وإن «النوايا مطايا». لقد عشنا مرحلة التحولات، فوجدنا من يشوّه صورة الوطن ويحاول بيعه أو المساومة عليه، بل رأينا كيف استقوى بعضهم وجيّشوا مجموعةً لنشر الإشاعات والأكاذيب، وهرب بعضهم، وحاولوا تشويه الوطن، وناصبوا أهلهم العداء، وتناسوا خير هذا الوطن عليهم! وعلى الجانب الآخر، أبرزت المحن رجالا ونساءً كُثُراً كانوا يحبون وطنهم بصمت، من غير منفعة ولا أغراض شخصية... وقفوا في وجه كل من حاول المسّ بوطنهم، وقفوا بغضب المحب الذي يدافع عن اسم وطنه ومكانته. هل كان على الإمارات، الدولة والمجتمع، أن تعيش كل هذه الأحداث، وأن تهتم بكل هذه التفاصيل! ما كان أغنانا عن هذه المتغيرات، لو أنهم عقلوا قليلا وآثروا محبة الوطن وأخلصوا في أفعالهم وأقوالهم، وتذكروا أن هذا البلد في نعمة وأن ثوابته راسخة، لأنه قام ونهض بإخلاص وصدق قيادته وتآلف شعبه. تترفع هذه الدولة كثيراً عن المنزلقات والصغائر، إذ دائماً فيها من السمو والرفعة، ومن الشفافية والثقة والصدق، ما يعصمها من ذلك، هكذا كانت دائماً في كل مراحل تطورها، وفي أصعب الظروف التي مرت بها أو التي فُرضت عليها وفق وقائع وحسابات القوى الدولية ومصالحها. دارس العلوم السياسية المتتبع لتجربة دولة الإمارات يمكنه أن يحلل ويقارن حجم المتغيرات الإقليمية والدولية التي حدثت خلال العقود الأخيرة وموقف دولة الإمارات منها، وكيف رسمت سياساتها، وكيف كان خطابها والقيم التي حملتها مواقفها. لم يتغير نهجها، بل كان واضحاً في مختلف الظروف، لأن ثوابتها لا تتغير. واليوم، حين تتحدث دولة الإمارات بكل وضوح وصراحة حول قضية داخلية تمس أمنها وترتبط بمخطط خارجي، فإنها تؤكد على نهجها في ذلك الشأن. محكمة عليا تنظر في قضية أمنية حساسة وتفتح أبوابها للإعلام ولأفراد المجتمع المهتمين بالحضور والمتابعة، وذلك من خلال الهيئات والجمعيات الأهلية، وقاض تسامى بصبره وعدله وجعل مختلف الأطراف تشيد بحكمته في إدارة هذه القضية. نتذكر قبل أن تبدأ المحاكمة، كيف حاولوا من خلال آلياتهم وشبكات تنظيمهم أن يشحنوا العالم ضد الإمارات، فوصفوها بأبشع الأوصاف، وسعوا لتصويرها على غير الحقيقة. لكن الوقائع قالت غير ذلك، إذ ما أن بدأت جلسات المحاكمة، حتى تكشفت للجميع حقائق أولية تبين حجم المخطط. لكن كيف يواصل هؤلاء إصرارهم على الافتراء وتشويه الوقائع، وكيف لنا أن نكذّب كل من حضر ونصدّقهم هم فقط؟ ومن يصدّق تلك الأسماء المستعارة والدكاكين السرية التي فتحوها في العالم الافتراضي، والتي تبث سمومها ومكائدها، تبيع بضاعتها وخلفها فريق «المرتزقة» ومن يقف خلفه في الظلام؟! في زمن ما، كان هؤلاء ينعتون من يختلف معهم على أنه يساري، شيوعي أو ملحد، أو علماني فاسق في مجتمعات محافظة مثل المجتمع الخليجي، وفي أزمنة أخرى يصورونه على أن مخبر أو عميل أو مرتزق، وأنه ضد الوطنية، كما يرددون. ومن ذلك يتضح تفننهم في إطلاق الإشاعات ونشرها، وكيف أنهم يملكون موهبة قلب الحقائق بما يحقق مصالح جماعتهم ويخدم فريقهم، وهم يعرفون كيف يتسربون متى ما وجدوا فرصة لذلك، فينتشرون ولا يسمحون لغير المنتمي لهم أن يكبر في المؤسسة أو الوظيفة أو المجتمع الذي يحكمونه. لقد أتقنوا أيضاً لعبة جمع المال، فانتشروا في الأسواق بتجارة ارتبطت ظاهرياً بالعمل الخيري والمجتمعي، لكنهم تبنّوا «الماكيافيلية» وألبسوها قناعهم وأوصافهم بغرض تحقيق غاياتهم. لا جديد في «كيف» هذه، فتلك بعض أساليبهم التي مارسوها والتي يسير عليها تلامذتهم الصغار اليوم، وهذا هو النهج الذي تعلّموه وأتقنوه، ومن عاش مراحل الثمانينيات والتسعينيات واحتك بهم، يتذكر ذلك جيداً، ويعلم أن الزمن يتكرر، لكن هذه المرة من غير قناع، وهذه المرة يمارسون سلوكياتهم وقناعاتهم ضد سلطات بلدانهم وخلفهم حزب وآليات ووجوه زالت عنها المساحيق. ماذا فعلت هذه الجماعة في تونس؟ وماذا فعلت بمصر التي نعرفها عن قرب؟ متى عرف هذا البلد الآمن كل هذه الصور من البشاعة والدماء المستباحة وحرب الشوارع والحرائق التي لا تنتهي؟ متى سكن المصري الطيب كل هذا الكره وتغلغلت فيه هذه الأحقاد ضد أخيه وابن عمه؟ وكيف هي أجندة حكمهم لدولة في حجم ومكانة مصر: مزيد من سياسة التقارب مع إسرائيل وأميركا وإيران، وخلق العداوات مع الجيران والدول العربية الشقيقة. أما الاقتصاد الذي تهاوت مؤشراته ووصل إلى نهايات صعبة وبات يحتاج إلى «معجزات» حقيقية للنهوض به، فلن تنقذه تلك الشعارات والخرافات التي يبشرون بها. لقد أصبح الشعب المصري يترحم على «الماضي» الذي كان فيه، فهل هذا هو المستقبل الديمقراطي والمشرق الذي بشّرت به جماعة «الإخوان» وضحّى المصريون كثيراً حتى يصلوا إليه؟! العالم الخفي لفرق «الخوارج»، بتشعباتها ومسمياتها وأبطالها وأجنداتها، والذي عشنا بعضه وقرأنا عنه في أزمنة الأمة الإسلامية ومراحل نموها وتعثرها وصراعاتها وتقهقرها، ربما يجد تجسده اليوم في بعض البلدان. لقد كانت تلك الفرق من تجارب التاريخ والنهايات التي آلت إليها، إنها الحليف الأول للشيطان للطعن في هذه الأمة، وانهيار أمنها ومكانتها واستقرارها، ويبدو أن السيناريو يتكرر في هذا الزمن أيضاً.