بعد مرور عامين على الثورة التي أطاحت بمبارك، تحولت مصر إلى دولة فاشلة بالفعل. ففي العام الذي سبق الانتفاضة على حكم النظام السابق، كانت مصر تحتل الترتيب الخامس والأربعين في مؤشر الدول الفاشلة، وبعد سقوطه أصبحت الآن في المرتبة الحادية والثلاثين، علماً بأني لم أراجع المؤشر مؤخراً- لأنني لا أريد أن ازداد اكتئاباً. ولكن الأدلة على أن مصر قد باتت كذلك، موجودة حولنا في كل مكان. فنحن نرى اليوم تآكلا لسلطة الدولة في مصر، بدليل أن الأمن والعدل اللذين يعدان من الواجبات الأساسية لأي دولة غير متوافرين، كما أن القانون والنظام بشكل عام آخذان في التفكك. ففي عام 2012 ارتفعت معدلات جرائم القتل بنسبة 130 في المئة، وجرائم السرقة بنسبة 350 في المئة، والخطف بنسبة 145 في المئة، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية. ونحن نرى بعض الناس حالياً وهم يُعدمون من دون محاكمة أمام الجميع، في حين يقوم آخرون بالتقاط صور لذلك الإعدام- لاحظوا أن ذلك يحدث في القرن الحادي والعشرين وليس في أيام الثورة الفرنسية! الشعور السائد الآن هو أنه ليس هناك سلطة دولة كي تفرض النظام والقانون، ولذلك يظن الجميع أن كل شيء مباح، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى نشر الخوف، وزيادة القلق في المجتمع. ولا يمكنكم بالطبع توقع أن مصر قد يكون فيها حياة اقتصادية طبيعية- في ظل ظروف كهذه. فالناس قلقون للغاية ومن يمتلك منهم المال لا يستثمر- سواء الأجانب منهم أم الغرباء. ففي الأوضاع التي يكون فيها النظام والقانون في حالة ضعف، ولا يمكنكم أن تروا فيها المؤسسات، وهي تقوم بإنجاز مهامها- ولا تعرفون ما الذي يمكن أن يحدث غداً، فلا بد أنكم تصبحون في حيرة من أمركم. كنتيجة لذلك كله، تآكلت احتياطيات مصر من العملة الأجنبية، وتفاقم عجز الميزانية حيث يقدر أن يصل إلى 12 في المئة في العام الحالي، كما يجرى تخفيض قيمة الجنية مقابل العملات الأخرى. في كل يوم يستيقظ ربع عدد شباب مصر في الصباح، دون أن تكون هناك وظائف يتوجهون إليها. وفي كل منطقة من المناطق نجد أن الأسس الجوهرية للاقتصاد غير متوافرة. ويمكن لمصر أن تتعرض لخطر العجز عن سداد الديون المستحقة عليها في مواعيدها خلال الشهور القليلة القادمة، وهو ما يدفع الحكومة لأن تحاول يائسة الحصول على قروض من هنا وهناك. ولكن ليس هذا هو السبيل لعودة الاقتصاد مرة أخرى للنشاط، فنحن نحتاج لاستثمارات أجنبية، وسياسات اقتصادية سليمة، ومؤسسات عاملة، كما نحتاج أيضاً إلى عمالة ماهرة حتى يمكننا إعادة الاقتصاد إلى حالته. حتى الآن لم تقدم الحكومة المصرية سوى رؤية متخبطة، وسياسات اقتصادية وقتية، من دون وجود يد قوية تمسك بالدفة في قيادة الدولة. فالسلطة التنفيذية ليس لديها أي معرفة بشأن الكيفية التي يمكن بها إدارة مصر، علماً بأن المسألة هنا لا تتعلق بما إذا كانت تلك السلطة منتمية للإخوان المسلمين أم الليبراليين، وإنما تتعلق بأشخاص ليس لديهم أي رؤية، أو خبرة، وليسوا مؤهلين للحكم في الأساس. ولقد ظللنا في المعارضة نقول للرئيس محمد مرسي وشركائه لشهور إن مصر بحاجة إلى حكومة كفؤة ومحايدة، وأننا في حاجة إلى لجنة عريضة القاعدة لإعادة النظر في مواد الدستور الذي يتفق الجميع على وجه التقريب على أنه لا تتوافر له الشروط التي تجعله قادراً على ضمان التوازن السليم بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات الأساسية للجميع. كما ظللنا نؤكد على أن هناك حاجة لشراكة سياسية بين الأحزاب الأخرى- بما في ذلك تلك ذات التوجه الإسلامي- والإخوان المسلمين، الذين يمثلون على الأرجح أقل من 20 في المئة من المجتمع، ولكن تلك التوصيات للأسف الشديد لم تلق آذان صاغية ممن بيدهم مقاليد الأمور. الإخوان المسلمون بدورهم يخسرون بسبب الأوضاع السائدة. فعلى الرغم من شعاراتهم فإنهم لم يتمكنوا من الإنجاز. فالناس تريد طعاماً على موائدها، وتريد رعاية صحية، وتعليماً وما إلى ذلك، ولكن الحكومة لم تكن قادرة على الوفاء بهذه التوقعات. فالإخوان المسلمون لا يمتلكون الكفاءات التي تأتي في الأغلب الأعم في الأحزاب الليبرالية واليسارية، مما يعني بالتالي أنك بحاجة إلى ائتلاف واسع، وفي حاجة لأن تضع خلافاتك الأيديولوجية جانباً، وتعمل مع الآخرين من أجل توفير حاجات الناس الأساسية. فانت ببساطة لا تستطيع أن تطعم الناس شريعة. نحن من دون شك ندفع ثمن سنوات عديدة من القمع، وحكم الرجل الواحد. فمعظم المشكلات التي نواجهها هي منتج جانبي من منتجات الديكتاتورية. وجراحنا ما زالت مفتوحة، ونحن في حاجة لتنظيفها وليس الاكتفاء بوضع ضماد على القيح. ولكن هذا ما يحدث. فما نراه الآن ليس سوى تغيير للوجوه، مع استمرار نفس طريقة التفكير التي كانت سائدة في عهد مبارك، بعد إضفاء صبغة دينية عليها. إلى أي حد يمكن للأمور أن تسوء؟ هناك سيناريوهات مختلفة بالطبع إذا ما استمر القانون والنظام في التدهور، ولكن الناس الآن يقولون شيئاً لم نفكر فيه أبداً من قبل: إنهم يريدون عودة الجيش لتحقيق الاستقرار، وإلا واجهت البلاد ثورة للفقراء لا تبقي ولا تذكر. هناك أشياء أسوأ من فشل الدولة بالطبع، وأخشى أن تكون مصر قد باتت الآن دولة تترنح على حافة الهاوية. محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وحائز على جائزة نوبل للسلام ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»