أعلن عدد من المصادر أن مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية يستعد لتدشين تحقيق شامل في طائفة، مما يحتمل أن يكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان بما في ذلك جرائم ربما ارتكبها جنود أميركيون، وهذه هي المرة الأولى التي يفحص فيها تحقيق رسمي من المحكمة التصرفات الأميركية ويهيئ الظروف لتصادم محتمل مع واشنطن. وأشارت عدة مصادر إلى أن المدعية العامة «فاتو بنسودا» ستسعى إلى إجراء تحقيق في الأسابيع المقبلة، وعلى الأرجح بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لكن قبل نهاية العام، وزار مسؤولون أميركيون لاهاي في الآونة الأخيرة لمناقشة التحقيق المحتمل وعبروا عن مخاوفهم بشأن نطاقه. ولفت مكتب الادعاء مراراً الانتباه إلى ما يُعتقد أنه انتهاكات لحقوق الأفراد الذين احتجزتهم القوات الأميركية بين عامي 2003 و2005، وتعتقد أن الولايات المتحدة لم تعالج هذه الانتهاكات جيداً، وأشارت المحكمة في تقرير نُشر العام الماضي إلى أن «الجرائم يُزعم أنها اُرتكبت بوحشية شديدة وبطريقة تمحق الكرامة الإنسانية الأساسية للضحايا»، وربما تريد «بنسودا» أيضاً التحقيق بشكل أعمق في الهجوم الذي شنته القوات الأميركية على منشأة لمنظمة «أطباء بلا حدود» في قندوز، وهذا الهجوم قُتل فيه عشرات الأشخاص، وحتى حين يبدأ التحقيق، ليس من الواضح إذا ما كان الادعاء سيوجه اتهامات ضد الأميركيين. لأن توجيه الاتهامات يتطلب أدلة أكثر بكثير مما لدى مكتب الادعاء حالياً. ومن أجل اتهام أميركيين بجرائم حرب، يتعين على «بنسودا» توضيح الصلة بين الصراع في أفغانستان وسياسات الاحتجاز الأميركية، وهذا عمل ليس بالسهل، وذكرت تقارير أن الولايات المتحدة جلبت من مناطق أخرى من العالم عدداً من المحتجزين إلى أفغانستان، وربما يكون أكثر النقاط إثارة للجدل أنه يتعين على مكتب الادعاء تقرير أن الولايات المتحدة تقاعست عن معالجة مزاعم التعذيب من خلال مراجعاتها وتحقيقاتها واختصاصها القضائي المحلي. ويضاف إلى هذا أن إصدار أي صحيفة اتهام يتعلق بأفغانستان تستغرق شهوراً إنْ لم يكن سنوات. ولأن القضية لم يحلها أحد الأعضاء إلى المحكمة، يتعين على «بنسودا» الحصول على موافقة هيئة من ثلاثة قضاة قبل تدشين تحقيق. وقضاة المحكمة وافقوا على كل طلبات التحقيق السابقة من المدعي العام- في كينيا وساحل العاج وجورجيا- لكن نظرهم في القضية يستغرق بضعة شهور، وقد يطلب القضاة المزيد من المعلومات قبل أن يجيزوا التحقيق. كما أن استعداد مكتب الادعاء لفتح تحقيق يمثل انتكاسة كبيرة لإدارة الرئيس أوباما التي سعت عدة مرات كي تمنع التحقيق بشأن أفغانستان، بل وتتجنب أن تشير المحكمة إلى جرائم أميركية محتملة. ووصف مسؤول أميركي سابق على دراية بالحوار بين الولايات المتحدة والمحكمة بأن الحديث كان ودياً لكن مسؤولي الادعاء قرروا فيما يبدو دمج بعض الأنشطة الأميركية في تحقيقهم. وعلاقة الولايات المتحدة بالمحكمة التي كانت عدائية في إدارة جورج بوش الابن الأولى أصبحت ودية بشكل متزايد في السنوات القليلة الماضية، ورغم أن التشريع الأميركي ما زال يحظر تقديم مساعدات مالية مباشرة للمحكمة لكن مسؤولين أميركيين يسروا نقل بضعة متهمين إلى المحكمة وسعوا إلى مساعدة المحكمة بوسائل أخرى. وإجراء تحقيق شامل في أفغانستان يطرح تعقيدات جديدة للإدارة الأميركية الجديدة في الوقت الذي عليها فيه أن ترسم سياستها تجاه المحكمة، وكانت هيلاري كلينتون قد عبرت في فترة مبكرة من توليها منصب وزير الخارجية عن «عظيم أسفها» عن عدم انضمام الولايات المتحدة للمحكمة لكنها لم تظهر أي بادرة على أنها ستدعم انضمام بلادها لعضوية المحكمة. وأكدت الولايات المتحدة، في مراحل مختلفة أن المحكمة تفتقر للسلطان القضائي على الجنود الأميركيين لأن واشنطن اختارت ألا تكون عضواً فيها. وفي عام 2002، حذر مسؤول بارز من وزارة الخارجية الأميركية أن تأكيد المحكمة «لسلطانها القضائي على مواطني الولايات المتحدة التي لم تصادق على المعاهدة يهدد السيادة الأميركية». ووجهة النظر هذه لم تلق إلا القليل من الدعم في المجتمع القانوني الدولي. ويعتقد كيفين جون هيلر أستاذ القانون في جامعة إس. أو. إيه. إس. في لندن في رد كتبه في رسالة بالبريد الإلكتروني: «إذا كان بوسع دولة مقاضاة أميركي لارتكابه جريمة على أراضيها، فبوسع هذه الدولة أن تفوض السلطان القضائي إلى محكمة دولية... ولم تشكك الولايات المتحدة قط في مثل هذا التفويض على الأقل عندما ينطبق على جنسيات دول أخرى». ورغم أن الإعلان عن إجراء تحقيق يزعج واشنطن، فمن المرجح أن يكرس مكتب الادعاء معظم طاقاته لمقاضاة الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المناهضة للحكومة في أفغانستان بما فيها جماعة «طالبان»، وبيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 20 ألف مدني لقوا حتفهم في البلاد منذ عام 2009، وأن غالبيتهم قتلوا على أيدي قوات المتمردين، وإذا أُجري التحقيق، قد يكون هذا أصعب تحقيقات المحكمة على المستويين العملي والسياسي. ـ ــ ـ ــ ـ ديفيد بوسكو* *أستاذ مساعد في جامعة إنديانا الأميركية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»