هناك حقيقة يأخذها عدد قليل من الناس في اعتبارهم، عند الحديث عن الأزمة الفنزويلية، أو عن شؤون أميركا اللاتينية بشكل عام، هي أن بعض أكبر البلدان في القارة، ستُجري انتخابات على مدى الإثني عشر شهراً المقبلة، وهي انتخابات يمكن أن تغير الخريطة السياسية في نصف الكرة الغربي. فمنذ الآن، وحتى أكتوبر 2018، ستجرى انتخابات رئاسية في تشيلي وكولومبيا، والمكسيك، والبرازيل، بينما ستجري الأرجنتين انتخابات رئيسية للكونجرس الشهر المقبل، يمكن أن تقرر المستقبل السياسي لذلك البلد. وبعض هذه الانتخابات ستجرى وسط مناخ من خيبة الأمل في الديمقراطية، والغضب المتزايد على السياسيين التقليديين، بسبب عدم قدرتهم على كبح الفساد، ومحاربة الجريمة. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه «مشروع الرأي العام لأميركا اللاتينية» التابع لجامعة فاندربيلت الأميركية، أن هناك أسباباً تدعو للقلق، منها -حسب الاستطلاع المعنون «باروميتر الأميركتين 2017/2016»- أن دعم الديمقراطية في دول القارة، قد انخفض من 66.4 في المئة قبل عامين إلى 57.8 في المئة حالياً، وهو أدنى دعم للديمقراطية يسجل منذ أن بدأ الباروميتر إجراء استطلاعه السنوي في المنطقة اعتباراً من عام 2004. وأظهر الاستطلاع أيضاً أن بعضاً من أدنى مستويات الدعم للديمقراطية سجل في بعض أكبر بلدان القارة، حيث لم يزد مستوى دعم الديمقراطية في المكسيك مثلاً عن 49.4 في المئة، في حين أعرب 52.4 في المئة فقط من البرازيليين عن اعتقادهم بأن الديمقراطية هي أفضل نظام سياسي. كما أظهر الاستطلاع، إلى جانب ذلك، أن ما يقرب من 38 في المئة من الأميركيين اللاتينيين، سيدعمون أي انقلاب يحدث في بلادهم، إذا كان سيساعد على مكافحة الجريمة، والفساد. وفي وقت تشهد فيه الشعبوية تنامياً في الولايات المتحدة، وتحقق فيه الأحزاب الشعبوية في ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية تقدماً مطرداً أيضاً، لا يسع المرء إلا أن يتساءل، عما إذا كانت أميركا اللاتينية، لن تحذو حذوهما بانتخاب قادة شعبويين جدد. وهناك بالطبع احتمال كبير جداً لأن يحدث ذلك. ففي المكسيك، يحتل سياسي شعبوي يساري شغل في السابق منصب عمدة مدينة مكسيكو، هو «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور»، المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي، التي تجرى في إطار الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إجراؤها في يوليو 2018، ويمكن للوبيز أبرادور أن يحصل على دفعة تعزز من مركزه، من خلال انتقاد جدار ترامب الحدودي، ومن خلال الخطب العنيفة المناوئة لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية «نافتا». وفي المقابلات التي أجريت معه مؤخراً، مارس هذا السياسي، جميع أساليب الالتفاف البلاغية، لتجنب انتقاد «نيكولا مادورو» الديكتاتور الشعبوي الذي يحكم فنزويلا. وفي كولومبيا، تظهر بعض استطلاعات الرأي أن «جوستافو بترو» السياسي اليساري الشعبوي، وعمدة بوجوتا السابق، يتقدم على مجموعة تزيد عن 20 من المتطلعين للترشح للرئاسة في انتخابات مايو 2018. وفي البرازيل، يعتبر عضو الكونجرس اليميني الشعبوي «جاير ميسياس بويسونارو» من بين المتنافسين الرئيسيين في السباق الانتخابي الرئاسي في أكتوبر عام 2018. وبصفته ضابطاً عسكرياً سابقاً فإن بويسونارو لا يتردد في الإشادة بالنظم الديكتاتورية، التي حكمت بلاده في عقد الستينيات من القرن الماضي. وفي تشيلي، من المرجح، أن يفوز الرئيس اليميني السابق «سباستيان بينيرا» بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 19 نوفمبر المقبل. ويحذر بعض المحللين، من أنه في ظل تزايد الاستياء الشعبي في تشيلي، فقد يكون «بينيرا» هو آخر سياسي من تيار الوسط، يتسنى له الفوز في أي انتخابات تجرى في المستقبل القريب لتشيلي. وما قد يحدث في السيناريو الممكن هو فوز المرشحين الشعبويين في المكسيك، والبرازيل، وكولومبيا. ويقول «فرانك مورا»، رئيس مركز أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي التابع لجامعة فلوريدا الدولية: «الخطر يكمن في أن الشعبويين سيستثمرون شعور الناس بالخيبة إزاء الديمقراطية، ويقدمون أنفسهم كمنقذين، ويدمرون المؤسسات الديمقراطية، ويستولون على سلطات مطلقة». ومن الناحية الاقتصادية، يمكن القول إن الموجة الجديدة من الشعبوية الاستبدادية في أميركا اللاتينية، يمكن أن تهدد الانتعاش الأولي الذي حدث في المنطقة من خلال عدة أمور، من بينها تنفير المستثمرين. فمن المعروف أن المستثمرين الشرعيين يفضلون عادة البلدان التي تتمتع بمؤسسات قوية، بدلاً من تلك التي لديها زعماء أقوياء، يمكنهم تغيير قواعد اللعبة في بلادهم حسب نزواتهم. ومن الناحية السياسية، فإن المجموعة الجديدة من القادة الشعبويين الاستبداديين، قد تكسر توافق الآراء السائد في المنطقة بشأن المطالبة باستعادة الحكم الديمقراطي في فنزويلا. وعلى أقل تقدير، ستؤدي هذه المجموعة إلى وضع نهاية لما يعرف بـ«مجموعة ليما» وهي مجموعة مكونة من 12 دولة من بينها المكسيك، والبرازيل، والأرجنتين، وكولومبيا، وبيرو، تطالب بالعودة إلى الحكم الديمقراطي في فنزويلا. ومن السابق لأوانه الآن الحديث عما إذا كان أي من هذا سيحدث، أم لا. ولكن ليس من السابق لأوانه التنبؤ بأن فرصة ممارسة ضغوط إقليمية جماعية على نظام فنزويلا لاستعادة الديمقراطية، آخذة في التضاؤل على نحو مطرد. وإذا لم تصعّد المنطقة من عقوباتها الدبلوماسية ضد النظام الفنزويلي الآن، فقد يكون من الأصعب بكثير، القيام بذلك بعد 12 شهراً من الآن. أندريس أوبنهايمر صحفي أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»