قرار الرئيس دونالد ترامب غير المتوقع بأن يلتقي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أثار ردود فعل منقسمة جداً. فقد صوّر البيتُ الأبيض القمة المقترحة باعتبارها انقلاباً دبلوماسياً، بينما استقبلها دعاة الحوار مع كوريا الشمالية بارتياح حذر. هذا في حين وصفها المتشككون باعتبارها خطوة ساذجة في أحسن الأحوال، بالنظر إلى سجل كيم الفظيع من الانتهاكات. غير أن التاريخ سيحكم على هذه القمة بمعيار أبسط: ما إن كانت ستنجح أم لا. وحتى ينجح الاجتماع بين الزعيمين، يجب على ترامب أن يكون مستعداً لإرجائه أو حتى التخلي عنه كلياً، إن اقتضت الظروف ذلك. ذلك أن أي قمة بين رئيسي دولتين تتطلب إعداداً مكثفاً، وهذه القمة ربما أكثر من أي قمة أخرى. وهذا الاستعداد ينبغي أن يتخذ ثلاثة أشكال. أولاً، ينبغي أن يلتقي مسؤولون أميركيون من مستوى منخفض مع نظرائهم الكوريين الشماليين من أجل قياس وتقييم نوايا بيونج يانج. فالمسؤولون الكوريون الجنوبيون أكدوا أن «كيم» بات مستعداً للتضحية ببرنامج أسلحة نووية عمره أربعة عقود، ويعتبر أساسياً لأمن نظام «كيم» وحلمه في غزو كوريا الجنوبية. ومثل هذا التحول سيكون كبيراً، وينبغي على المسؤولين الأميركيين أن يتعاملوا مع تمثلات سيؤول بتشكك إلى حين ظهور مزيد من الأدلة. ثانياً، سيتعين على الولايات المتحدة أن تجري مشاورات مكثفة مع شركائها الآسيويين قبل أي قمة، ذلك أن نتيجة المحادثات الأميركية – الكورية الشمالية لن تؤثّر على أمن حلفاء للولايات المتحدة مثل اليابان فحسب، ولكن أيضاً على أمن منافسين مثل الصين وروسيا. ومن المهم أن تحافظ الولايات المتحدة على جبهة موحدة مع الأولى لضمان عدم تقسيم الدبلوماسية على شبه الجزيرة الكورية نظامَ التحالف الأميركي في آسيا، وأن تتشاور مع الأخيرة للتأكد من أنها مستعدة للعب دور بنّاء في أي عملية دبلوماسية. ثالثاً، على الولايات المتحدة أن تنخرط في مداولات داخلية من أجل تحديد ما الذي ستسعى لتحقيقه في قمة بين ترامب وكيم بالضبط، وبشكل عام، ما الذي ستكون البلاد مستعدة للتنازل عنه مقابل ما تطالب به الكوريين الشماليين. ولهذا الغرض، ينبغي على واشنطن أن تتمسك بالهدف المتمثل في نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية. فخلال المفاوضات النووية الإيرانية، كانت الولايات المتحدة خفضت طموحاتها تدريجياً مع تقدم المحادثات. وكان السبب المعلَن هو أن الأهداف الأصلية كانت بكل بساطة غير قابلة للتحقيق. غير أن هذه المقاربة تغفل حقيقة أن الإجراءات الأميركية بعيداً عن طاولة المفاوضات، سواء في شكل عقوبات أو موقف عسكري، يمكن أن تؤثّر في حسابات النظراء. ولتوسيع نطاق النتائج الدبلوماسية الممكنة، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لجعل الخيارات البديلة أسوأ بالنسبة للجانب الآخر، حتى وإنْ كان ذلك يعني تعليق المفاوضات لبعض الوقت. أما إذا قبلت الولايات المتحدة حلاً جزئياً بدلاً من ذلك – تجميد لبرنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي أو تفكيكهما الجزئي – فإن المفاوضين سيجازفون بترحيل الأزمة، ويضحّون بالنفوذ الأميركي في الأثناء. وعند تأمل ما ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديمه مقابل نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، من المهم جداً أن تبقى إدارة ترامب مركزة على الصورة العامة في آسيا. فعلى الرغم من المشاكل التي يطرحها التحدي الكوري الشمالي، فإنه ليس التهديدَ الاستراتيجي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة. فهذا «الشرف» يعود إلى الصين التي تزداد قوة وطموحاً، وربما بشكل ثانوي إلى روسيا، التي تبدي رغبة في تحدي الولايات المتحدة عبر مسارح متعددة. وبالتالي، فيمكن القول إن الولايات المتحدة ستضر بمصالحها في حال وافق البيت الأبيض، رغبة منه في تأمين اتفاق مع بيونج يانج، على تقليص مهم للموقف العسكري الأميركي في آسيا. ذلك أن المستفيد الأكبر من مثل هذه الخطوة سيكون بكين، والخاسر الأكبر سيكون نظام التحالف الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تطوّره في آسيا للرد على الطموحات الصينية. وبالتالي، فما لم وإلى أن تصبح الولايات المتحدة قادرة على الإعداد بشكل كافٍ لقمة بين ترامب وكيم، فيجدر بها أن تؤجل تحديد تاريخ للقاء، وذلك لأن عدم الإعداد للاجتماع ينطوي على عدة مخاطر كبيرة، ومن ذلك إمكانية أن تكون القمة مجرد ضربة علاقات عامة لصالح كيم، الذي سيستطيع التباهي حول الحصول على لقاء لم يحظ به والده وجده. والأدهى أن فشل القمة يمكن ألا يترك خطوة دبلوماسية واضحة مقبلة، وبالتالي، يسرّع النزاع بدلاً من أن ينزع فتيله. مايكل سينج مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال الفترة من 2005 إلى 2008 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»