أمضى بول ولفوفيتز الذي ينسب إليه الفضل -أو يوجه إليه اللوم- لكونه المهندس الفكري للحرب على العراق، الأسبوع الماضي هنا في تكريت مسقط رأس صدام حسين· كان هذا بمثابة نصر أميركي صغير تحقق في صراع لم يشهد سوى انتصارات قليلة للغاية في الفترة الأخيرة· و تكريت ذات أهمية رمزية، لأنه حتى في هذه المدينة التي تعتبر معقل حزب البعث، يوجد الآن مجلس محلي تم انتخابه بواسطة اقتراع سري، هذا هو ما قاله نائب وزير الدفاع الأميركي بعد عشاء مع القادة العسكريين الأميركيين، توجه بعده للنوم في واحدة من الغرف الفسيحة المبطنة أرضياتها وحوائطها بالرخام، والموجودة في واحد من قصور صدام العديدة الذي يستخدم حاليا كمقر قيادة لفرقة المشاة الرابعة الأميركية· وعلى رغم مشاعر الرضا التي شعر بها ولفوفيتز بعد زيارة تكريت المحتلة، إلا أنه لا يشعر بالراحة بسبب الوضع القائم حاليا في العراق· وكان الموضوع الرئيسي الذي يتحدث عنه على الدوام في كل مكان توقف فيه، هو أن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بتسريع عملية نقل سلطة الشؤون الأمنية والاقتصادية في البلاد إلى العراقيين أنفسهم·
ولتحقيق الانتقال السريع للسلطة يدفع ولفوفيتز في اتجاه إنشاء خمس قوى أمنية هي: جيش العراق الجديد، قوة شرطة عراقية مُجددة، يجب أن يبلغ عددها 40 ألف جندي وضابط، ويتم الانتهاء من تجهيزها في موعد غايته الصيف القادم، قوة جديدة لحرس الحدود، قوة لحراسة منشآت وأنابيب النفط المكشوفة وحماية البنية التحتية، وفيلق دفاع مدني عراقي قوامه 22 ألف فرد يمكن أن يعمل كقوة ضاربة على غرار قوات الكارابينيري الإيطالية·
وكانت الخلاصة التي توصل إليها ولفوفيتز هي أنه كي يتم نشر تلك القوات بسرعة، ووضعها في مواقعها، فإنه لا بد من تجنيد عناصر من الجيش العراقي السابق· حول هذا الأمر تحديدا أدلى ولفوفيتز بتصريح أثناء إحدى المرات التي توقف فيها كان نصه هو: لن يكون هناك أي ضير من القيام بالاستعانة بخدمات ضباط من الجيش السابق، طالما كان سجلهم نظيفا، وأنا أعتقد أن الغالبية العظمى منهم يحتفظون بسجل نظيف · ويقول ولفوفيتز إن العراقيين يجب أن يكونوا ثاني أكبر قوة مساهمة في القوات المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن ما يزيد على 80 ألف عراقي يخدمون الآن في مختلف التشكيلات الأمنية، وأن 82 منهم قد لقوا مصرعهم في العمليات منذ الأول من يونيو الماضي·
إذن يمكن القول إن خطة بناء قوات أمن عراقية هي الخطة أ لدى وولفوفيتز فيما يتعلق بالقيام بسحب القوات الأميركية بشكل نهائي من العراق، ولكن ليس واضحا حتى الآن هل لديه خطة ب جيدة أم لا، خصوصا بعد انهيار الآمال المتعلقة بتكوين قوة متعددة الجنسيات على نطاق واسع· ويعترف ولفوفيتز أنه على رغم أن تركيا قد عرضت إرسال قوات، إلا أن نشر تلك القوات قد أصبح الآن موضوعا حساسا، يلقى معارضة قوية من جانب العراقيين· الشيء المهم في نظره أن الأتراك قد عرضوا إرسال قوات بعد أن كانوا قد امتنعوا عن ذلك في السابق· وقيام ولفوفيتز يوم الجمعة بزيارة القوة الصغيرة المشكلة من 21 جنسية، والتي تقوم بتأمين منطقة النجف في جنوب العراق الأوسط، تشير إلى أن نهج البنتاجون في الاعتماد على قوة يتحدث أفرادها لغات عديدة يمثل مشكلة حقيقية· والدليل على ذلك أن القائد البولندي الذي يقود جنودا من بلاده ومن أسبانيا والسلفادور،وأيستونيا،وأوكرانيا ودول أخرى غيرها، قد صرح بأن أكبر مشكلة تواجهه في الوقت الحاضر، هي تلك المتعلقة بالتنسيق بين جميع تلك الجنسيات·وقال ذلك القائد بالحرف الواحد الأمر صعب، هناك دول عديدة، ولغات مختلفة، ومناهج وأساليب مختلفة·· إنه لأمر في غاية الصعوبة في الحقيقة · ومن المؤشرات التي يمكن اتخاذها أساسا لتقويم ما يحدث في العراق فيما بعد الحرب، تلك المعلومات التي وردت في إيجاز ألقاه الميجور جنرال (لواء) ري أوديرنو قائد الفرقة الرابعة مشاة التي تحتل تكريت وغيرها من المدن في قلب المثلث السني الواقع شمال بغداد· قال أوديرنو إن قواته تقوم بشن غارات أكثر، وعمليات استخبارات أكثر تركيزا ضد المقاومة البعثية التي تستهدفهم كل يوم تقريبا· كما قال إنه يقوم حاليا بتدريب عدة قوات أمنية عراقية جديدة في منطقته، بحيث تقوم تلك القوات في النهاية باستلام المهمة من قواته· وقام أوديرنو بتقديم وصف شامل لعملية بؤرة اللبلاب Ivy Focus التي بدأت في العاشر من سبتمبر الماضي، والتي اشتملت على شن 269 غارة و16,381 دورية للتحالف، وأسفرت عن القبض عن 175 هدفا منهم 46 من مصنعي القنابل وستة من مسؤولي الصرف· وكان المفتاح لنجاح تلك العملية كما يقول هو الاستخبارات والمعلومات المفيدة التي يمكن العمل على أساسها · واستشهد في هذا السياق بحادثة وقعت في شهر مايو الماضي، وذلك عندما تمكنت قواته من القبض على قائد فدائيي صدام بعد مرور 122 دقيقة فقط على استلام بلاغ عن المكان الذي كان مختبئا به· إن هؤلاء الجنرالات يدركون أن ما يقومون به هو معركة لكسب العقول والق