ما رأيكم بهذه التجربة الفكرية بعد يوم من إثارة الرئيس ترامب غضب الحزبين بسبب أدائه مع الرئيس الروسي بوتين؟ حاولوا أن تنسبوا بطريقة حسنة الدوافع العقلانية إلى الفاعلين السياسيين. وبالنظر إلى السياسة الداخلية، ربما يكون ترامب قد اعتقد أن أي اعتراف من جانبه بالجهود الروسية لانتخابه ستدحض مصداقية رئاسته. وإذا نظرنا إلى الأمر دولياً، سيكون من الممكن تفسير سلوك ترامب كتعبير عن سياسة خارجية واقعية مقرونة بمراجعة راديكالية تنازلية لقوة الولايات المتحدة في العالم. ويتصور هذا الخط من التفكير إعادة وضع السياسة الخارجية الأميركية في تحالف استراتيجي مع روسيا، على حساب الحلفاء الأوروبيين، ربما بهدف احتواء الصين. وقبل أن تدير وجهك، حاول أن تفهم أنني لا أدعي معرفة ما الذي كان ترامب يفكر فيه، كما أنني لا أحاول الدفاع عن سلوكه في هلسنكي. إنني بالأحرى أقدم طريقة عقلانية لفهم بعض الحقائق الغريبة جداً. وهذه العملية لها قيمتها خاصة لأن منتقدي الرئيس، وأنا أحدُهم، بحاجة إلى التحقق من أنفسنا باستمرار لتجنب الوقوع في نوع من التفكير التآمري الذي يفضله ترامب ويروج له. فربما تكون لديه علاقات عمل بروسيا، كما يصوره أعداؤه. بيد أنه يجب أيضاً التفكير في احتمالات أقل سوءاً. والتفسير الأكثر وضوحاً لرفض ترامب قبول الأدلة المقدمة من قبل وزارة العدل الأميركية ووكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة على أن روسيا قد تدخلت نيابة عنه في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، هو ببساطة أن تدخل روسيا يفقد انتصاره في المجمع الانتخابي شرعيته. ويعتمد هذا التفكير على ملاحظة صحيحة، فقد فاز ترامب بالكاد، وأي مساعدة حصل عليها من روسيا سيُنظَر إليها على أنها لائقة. أضف إلى ذلك أن الديمقراطيين حريصون على إيجاد تفسيرات لفوز ترامب تبرر أخطاءهم وأوجه قصورهم. وبذلك، ندرك أن ترامب غير قادر من الناحية الإدراكية والسياسية على قبول أن بوتين ساعده في الفوز بالرئاسة. بيد أن المصلحة الذاتية لترامب ليست الطريقة الوحيدة للتفكير في التقارب الأميركي الروسي. إنني لا أعرف ما إذا كان ترامب يفكر بشكل استراتيجي لدى جلوسه مع بوتين، لكن البحث النظري في السياسة الواقعية العالمية للبيت الأبيض يضع شيئاً من هذا القبيل في الاعتبار: فلنبدأ بالحقيقة الواضحة، وهي أن ترامب لا يبالي بما إذا كان حلفاء الولايات المتحدة يتقاسمون القيم الديمقراطية أم لا. إنه يحترم القوة ويريد إقامة تحالفات مع بلدان قوية، وحلفاء أميركا السابقون يتحدثون عن القيم المشتركة، وليس القوة الخالصة. وهذا معيار كانت الولايات المتحدة تشجعه في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه لا يعني شيئاً بالنسبة لترامب. وعلى النقيض من ذلك، فإن بوتين يسيطر على مناطق من دول ذات سيادة (مثل القرم) ويرسل طائرات وقوات للفوز في حروب في الخارج (في سوريا).. وبالنسبة لترامب، فهذه هي القوة. بل إن بوتين استعاد قوة روسيا الإقليمية ونفوذها في الشرق الأوسط لدرجة كانت تبدو مستحيلة قبل عقد من الزمان. وإلى جانب التفكير في روسيا باعتبارها قوية، وأوروبا باعتبارها ضعيفة، يتعين على ترامب أيضاً التفكير في أن الولايات المتحدة نفسها أضعف بكثير مما يعتقد خبراء السياسة الخارجية في المؤسسة. وهو يرى أن إخفاقات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان ليست مجرد أمثلة على التجاوزات الأخلاقية للإمبريالية، بل كدليل على أن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل ما تريده في العالم. وفي إطار هذه النظرة العالمية، على الولايات المتحدة «الضعيفة» أن تتحالف مع دول قوية مثل روسيا. وهذا مهم بشكل خاص عندما تضيف مفهوم الصين كتهديد اقتصادي كبير تجب مواجهته. وكما أوضح هنري كيسنجر في السبعينيات، فإن الطريق لهزيمة روسيا في الحرب الباردة هو السعي للانفتاح على الصين. واجتماع ترامب مع بوتين لامتداح بعضهما البعض يمكن أن يُنظر إليه كانعكاس لتلك الحيلة: فترامب يحاول بناء علاقات أوثق مع روسيا لمواجهة صعود الصين. صحيح أن ترامب يقول أيضاً إنه يريد علاقات جيدة مع الرئيس الصيني «شي جين بينغ»، لكن بما أن ترامب لا يرى روسيا كمنافس اقتصادي، كما هو الحال مع الصين، فإن الانفتاح على روسيا يمكن أن يكون منطقياً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»