هل ضاقت الحلقة حول عنق النظام القطري، إثر الأزمة في العلاقات الأميركية- التركية؟ وهل اقتربت ساعة الحساب وكشف ما خفي من سوءات القيادة القطرية ومن التخفي وراء سلسة المؤامرات التي ظنت أنها يمكن أن تخفيها على المجتمع الدولي، وأن تنجح في التستر على ارتباطاتها المشبوهة بجماعة الغدر والخيانة، أي بـ«الإخوان»، وأيضاً بعميل إيران العتيد، حسن نصر الله الملطخة يديه بدماء الشرفاء في سوريا ولبنان؟
للرد على هذه التساؤلات يتطلب الأمر العودة لجذور العلاقة الأميركية- التركية ومدى اعتمادهما، أو اعتماد أحدهما على الآخر، واليقين أن الجانب الأضعف في مثل هذه العلاقة هو تركيا، فقد تردد في الأوساط الأميركية تعليق يبرز الورطة التركية الحالية، ويشخص هذه الحالة يقول: بدأ الاقتصاد التركي المزدهر على يد أميركا وانتهى في نيويورك، ونحن نضيف على ذلك بدأ الدور القطري على يد أميركا في قاعدة «العديد»، وينتهي الآن في الرياض وأبوظبي. كيف حدث ذلك؟
للذين يتابعون مؤشرات العلاقات الدولية في المنطقة، لابد أنهم يتذكرون عهد أوباما، وكيف نشط هذا الرئيس الذي علقت عليه المنطقة الآمال، لاسيما بعد خطابه التصالحي في جامعة القاهرة، الذي رفع سقف التوقعات لدى كثيرين، وربما كان أحد الأسباب الرئيسة التي مكنته من فرصة الحصول على جائزة نوبل للسلام، التي أصبحت إحدى الأدوات السياسية المسخرة تلعب بها أميركا، وتمنحها لمن تشاء، وترفع بها معنويات بعض القوى كتلك التي تم بها استرضاء «الإخوان» حين منحت لـ«توكل كرمان» في اليمن.
تقول الحقائق إن أميركا أوباما أعطت الإشارة الخضراء لاختيار تركيا لتكون مركز التحالفات الجديدة لتغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، واستبدالها بأخرى إسلامية جديدة لخلق ما أُطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد».
وجاء اختيار تركيا لثلاثة أسباب مجتمعة: الإرث التاريخي التركي في إدارة المنطقة، والسيادة التاريخية العثمانية لها، والتحجج بأن الهيمنة التركية على العرب ليست بالأمر الجديد. والثاني أن تركيا في الأساس حليفة أميركا في عضوية «الناتو»، ولديها قواعد كبرى في الأراضي التركية، ولديها علاقات مع إسرائيل، وتشكل القوة المركزية التي تعتمد عليها حركة «الإخوان»، يشهد على ذلك تبنيها لـ«إخوان» مصر بعد أن نجح الجيش المصري في إحباط مخطط الحركة التي سعت لتحقيق حلم طال انتظاره وهو حكم مصر، الحركة شدت الرحال إلى تركيا.
ومن أجل تهيئة تركيا للعب هذا الدور، فتحت أميركا الباب واسعاً لتنمية الاقتصاد التركي، وفِي ظل الاستقرار النسبي بدأ المستثمرون الأميركيون يوجهون أموالهم للاستثمار في أرض الحليف الجديد، ورافق ذلك نشاطاً محموماً قامت به المخابرات الأميركية لإضعاف الأنظمة العربية الأخرى، ونجحوا في تغيير بعض الأنظمة، مثل تونس ومصر وليبيا واليمن مهيئة لما أطلق عليه «الربيع العربي»، وفِي هذه الدول، كما نتذكر تحرك «الإخوان» بقوة في محاولة للسيطرة على مقاليد الحكم فيها تتمثل في حركة «الإخوان» في مصر، و«النهضة» في تونس و«الإصلاح» في اليمن، يضاف إليها الجماعات المتطرفة، وجماعة «الإسلام السياسي» الأشد تطرفاً في سوريا.
وكلنا نعلم كيف أنه في نهاية المطاف تم إجهاض المخطط الأميركي بأكمله، فهناك دول لم يمسها «الربيع الأميركي»! بسبب تصالحها مع جماهيرها. والآن وبعد أن تبدلت الوجوه ومعها تبدلت السياسات والتحالفات اتضح كيف أن مخطط «أميركا  الإخوان» كان هشاً وغير قابل للنجاح. ومع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض تسربت المعلومات وانكشف الستار عن المؤامرة وبدا في الأفق أن تحالفات جديدة تقدم نفسها بديلاً شرعياً محتفظة بالارتباطات الأيديولوجية ونزعات التطرّف، لإضعاف العرب، بالتنسيق مع قطر وحركة «الإخوان» المصريين واليمنيين والسوريين.
ويبدو أن قاعدة التطرّف لن تستطيع الصمود أمام أميركا، فما أن رفعت أميركا ترامب يدها عن دعم الليرة حتى شهدنا سلسلة التصدعات المتوالية للاقتصاد التركي. كما رأينا تركيا تضع أقدامها على شواطئ الخليج في رسالة تقول بأن تركيا ستدعم قطر في تمردها على جيرانها، وعلى جذورها وأصولها العربية.
أضحكتنا قطر وشر البلاء ما يضحك، حين تحركت لدعم تركيا بـ15 مليار دولار نفس المبلغ الممنوح لإيران، لكن وماذا بعد، والمبلغ لايساوي شيئاً في دعم اقتصاديات دول بحجم تركيا وإيران. أضحكتنا قطر وشر البلاء ما يضحك حين تحركت لدعم تركيا بـ15 مليار دولار نفس المبلغ الممنوح لإيران، لكن وماذا بعد، والمبلغ لايساوي شيئاً في دعم اقتصاديات دول بحجم تركيا وإيران. أضحكنا أيضاً مشاهدة التخبط السياسي القطري ومحاولات المستحيل في إمكانية إبقاء علاقتها بالخصوم أميركا وإيران وتركيا في آن واحد. أميركا الآن تعد نفسها لمواجهة قادمة مع إيران لن تنتهي إلا بعودة سليماني وجحافله الإرهابية الى الحدود الإيرانية. بمعنى أن النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن هو الثمن لترك أميركا لإيران وشأنها، وأن أية مطالب أخرى، أو أي تسويف لا يجدي، فالدول الكبرى هي التي تضع الشروط دون سواها، وتتأكد من تحقيقها سلماً أو حرباً ودعونا من ( الخققان) الإيراني ولنشأتها (السياحية) التي تجوب مياه الخليج، تزبد وترعد وتهدد أميركا بالويل والثبور، وسوف نتذكر مثلنا العربي الساخر: «أسد عليّ وفِي الحروب نعامة». ترى هل تبادر قطر إلى الوقوف مع الحليف المفضل، وتعلن الحرب على أميركا وتنطلق القاذفات القطرية لضرب قاعدة العديد؟ صحيح مرة أخرى إن شر البلاء ما يضحك. أمس الثلاثاء نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالاً تتعجب فيه من علاقة إسرائيل بقطر رغم أنها مصنفة بأنها الممولة الأولى للإرهاب، لكن الضرورات تبيح المحظورات فلقطر عند إسرائيل استخدامات أخرى.
أكاديمي- وخبير إعلام- الإمارات