إلى وقت كتابة هذه السطور؛ يجمع الرئيس الأميركي من حوله نحو مليون متابع على حسابه في موقع «Gab»، وربما بعد الانتهاء من قراءة هذه السطور يتلاشى الحساب ويتفرق المليون متابع، فالموقع يتعرض لحملة مقاطعة من الشركات ذات الصلة باستضافة المواقع كـ«أمازون»، والدفع الإلكتروني كـ«باي بال»، ومتاجر التطبيقات كـ«آبل»، لأنه أمّن لرئيس الولايات المتحدة الأميركية ملاذاً يخاطب فيه شعبه. 
مقاطعة شرسة من موقع إلى موقع يتعرض لها ترامب الذي سيبقى رئيساً لبضع أيام أخرى، فهو محظور عليه الإطلال عبر «فيسبوك» و«جوجل» و«يوتيوب» و«انستجرام» و«سناب شات» و«تيك توك» وغيرها، وكان أقسى كتم صوت تعرض له في «تويتر» الذي أغلق حسابه، وطارت متابعة 88 مليون شخص له في كبسة زر. 
وكل هذا الحجب الذي يتعرض له الرجل يأتي على خلفية اقتحام مجموعات قليلة من آلاف من أنصاره الذين لبّوا دعوته للتظاهر أمام مبنى الكونجرس أثناء جلسة المصادقة على فوز منافسه بالرئاسة، وكأن هذه المواقع كانت تصلي لهذا الاقتحام لعزل ترامب افتراضياً، ذلك أن «تويتر» دأب منذ طعن ترامب في نتائج الانتخابات على «التحذير» من تغريداته بحجة أنها تنقل معلومات مضللة. 
وقد أصدر «تويتر» بياناً عقب إيقاف حساب ترامب، وهو بيان يذكّر بالقوانين المصاغة بعبارات مطاطية تصلح شباكاً لصيد من تشاء، فقد عزا «تويتر» قراره الخطير إلى أنه «بعد مراجعة التغريدات الحديثة من حساب ترامب، وكيفية تلقيها وتفسيرها، قمنا بتعليق الحساب نهائياً، بسبب خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف». 
ولتبرير هذا القرار غير المسبوق، اختار «تويتر» تغريدتين لترامب، واحدة أشاد فيها بالـ 75 مليون الذين صوتوا له واصفاً إياهم بالوطنيين العظماء، وبأنه سيكون لديهم صوت صوت كبير في المستقبل، ولن يتم ازدراؤهم، والثانية قال فيها إنه لن يذهب إلى حفل التنصيب في 20 يناير. 
وقال الموقع إنه يجب قراءة هاتين التغريدتين في سياق الأحداث الأوسع في البلاد، والطرق التي يمكن من خلالها استيعاب تصريحات الرئيس من قبل جماهير مختلفة، بما في ذلك التحريض على العنف، فوصفه لمن صوّتوا له بالعظماء؛ يُفسّر على أنه دعم لمن يرتكبون أعمال عنف في مبنى الكونجرس! وأن قوله لهم بأنه سيكون لهم صوت كبير في المستقبل ولن يتم ازدراؤهم؛ يُفسّر على أنه لا يخطط لتسهيل انتقال منظّم للسلطة، ويخطط لمواصلة دعم وحماية من يعتقدون أنه فاز في الانتخابات! وأن قوله إنه لن يحضر حفل التنصيب؛ يُفسّر من مؤيديه بأن الانتخابات لم تكن شرعية!
وبعد هذه الأسباب الواهية التي يمكن أن تقال عن أي حساب، أصدر «تويتر» حكمه على ترامب قائلاً في بيانه إنه «قررنا أنهما ـ أي التغريدتين ـ من المرجح أن تشجع الناس على تكرار الأعمال الإجرامية التي حدثت في مبنى الكابيتول في 6 يناير، لذلك يجب تعليق الحساب فوراً ونهائياً».
ما الفرق إذن بين كل هذه المواقع التي يقال إنها تأسست على فكرة حرية الرأي والتعبير وبين الدول التي توصف من قبل الحكومات والمنظمات الغربية بأنها تقمع حرية الرأي!