ما زلنا نتحدث عن النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، وموضوعها «العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة»، والذي عقد منذ أسبوعين في مدينة مراكش المغربية.

وقد خرج ملتقى مراكش بتوصيات هادفة من بينها أنه يجب على الدول العربية وضع استراتيجيات مشتركة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني، وكذا آليات فعالة من أجل بلورة مواقف موحدة تخدم مصالح هذه الدول وتعزز مواقفها وتموقعها الاستراتيجي أمام القوى العظمى الحالية والمستقبلية، وكذا الصمود في وجه تدخلاتها واختراقاتها، وإنشاء هيئة عربية عليا يكون من مهامها وضع مقترحات للتقارب بين الحكومات، ولتقليص الشرخ «العقائدي-الأيديولوجي»، وتقديم اقتراحات في هذا الصدد تكون قادرة على بناء الأسرة العربية الموحَّدة، وتبني مقاربة جديدة لمواجهة التهديدات الأمنية المتنوعة ترتكز على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز التعاون الإقليمي على أساس مبدأ المصير المشترك، والحفاظ على الثوابت وأسس الوحدة الترابية لكل بلد عربي، وتطوير استراتيجيات جديدة في الدول العربية تتلاءم مع التحديات الأمنية المستجدة في العصر الرقمي بما يحمله من تغيرات في حسابات القوى وزيادة التركيز على الأمن السيبراني لارتباطه بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي وتعزيز قدرات العالم العربي على إنتاج أسلحة رقمية تمكنه من تحقيق أهدافه في الفضاء الافتراضي السيبراني، وتفعيل التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية لخلق أسواق أكثر اتساعاً، وبلورة استراتيجية لخلق سلاسل القيمة الإقليمية، وكذا إنجاز برامج اقتصادية مشتركة من قبيل مشروع مارشال عربي يشمل قطاعات مختلفة ويساهم في جمع الشمل العربي، وفي تحسين تموقع الدول العربية في سلاسل القيمة العالمية.. إلخ.

ومن أهم التوصيات، التي كانت في صلب تدخلي في المنتدى، ضرورة قيام دول عربية محورية بتحريك العمل العربي المشترك، وقيادة السفينة العربية في عالم مطبوع بخاصيات أربع: الغموض، والتوجس، والمجهول، واللايقين.

ويمكن أن نستحضر هنا مثال الاتحاد الأوروبي منظوراً إليه من حيث نشأته وتطوره وبنيته وآليات عمله، إذ من دون مبدأ الدول المحورية ما كان يمكن أن يكتب النجاح لهذا الاتحاد المكون اليوم من 27 دولة. فالدول المحورية التي قادت وتقود سفينته باستراتيجيته من دون كلل ولا توقف، هي أساساً فرنسا وألمانيا.

وإلى ذلك فإن انتخاب البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام المباشر خلَق نظام الوحدة الأوروبية، وكان ذلك أساساً بتحريك من الثنائي الألماني هيلموت كول والفرنسي فاليري جيسكار دستان، كما خلق الثنائي هيلموت كول وفرانسوا ميتران المستحيلَ للاتحاد الأوروبي متمثلا في السوق المشتركة، ونظام شينغن، والعملة المشتركة، إلى جانب السياسة الخارجية والدفاعية المشتركة.. تجسيداً للمواطنة الأوروبية. كما دفع الثنائي جاك شيراك وجيراد شرودر نحو خلق نظام السياسة الفلاحية الموحدة، ناهيك عما قام به ساركوزي ومن بعده فرانسوا هولاند مع الألمانية ميركل لإنقاذ العملة الأوروبية الموحدة (الأورو) من الانهيار وإنقاذ دولة عضو هي اليونان من الإفلاس.

*أكاديمي مغربي