يتزايد القلق بين الأطباء والعلماء من حقيقة أن معدل اكتشاف مضادات حيوية جديدة، لا يتماشى مع تزايد حجم الخطر الناتج عن تولد مقاومة البكتيريا، لما هو متوفر حاليا من مضادات حيوية. فعلى حسب التقرير السنوي الذي يصدر عن منظمة الصحة العالمية، والمعني بمتابعة المضادات الحيوية التي تخضع للدراسة والتطوير، لا يوجد حاليا عدد كاف من المضادات الحيوية في مراحل التطوير، يمكنها سد الاحتياجات العالمية المستقبلية.

فمنذ عام 2017، لم يحصل إلا 12 مضادا حيويا على التصريح النهائي للاستخدام الطبي، 10 منهم ينتمون أساسا لمجموعات كيميائية قديمة ومعروفة استطاعت البكتيريا بالفعل توليد مقاومة ضدها.

وهو ما يعني أن هناك قصوراً واضحاً في معدلات اكتشاف مضادات حيوية جديدة، وخصوصا تلك التي تعتمد على أساليب وميكانيزمات مبتكرة في قتل البكتيريا. مما يشكل تحد هائل للجهود المبذولة في مواجهة الوباء المتصاعد من حالات العدوى بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ويجعلنا جميعا عرضة لمضاعفات خطيرة عند العدوى، حتى لو كانت عدوى بسيطة.

وحاليا يلقى 30% من الأطفال حديثي الولادة المصابين بتسمم الدم حتفهم، نتيجة إصابتهم ببكتيريا مقاومة للاختيار الأول للعلاج، من المتوفر من المضادات الحيوية. ونتج هذا الوضع الخطير من أسباب عدة، تقف عائقا أمام جهود تطوير أنواع جديدة من المضادات الحيوية، منها الوقت الطويل جدا الذي يستغرقه الحصول على التصريح النهائي من قبل الجهات الحكومية والعلمية والموافقة على الاستخدام البشري، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة للعملية برمتها، ونسبة الفشل المرتفعة. فحاليا يستغرق الحصول على الموافقة للانتقال من مرحلة الدراسات المعملية إلى مرحلة الدراسات السريرية، ما بين 10 إلى 15 عاما.

وعلى صعيد نسبة الفشل، ينجح مضاد حيوي واحد من بين كل 15 مضادا مشتقا من مجموعات كيميائية معروفة أصلا، في الوصول إلى مرحلة الاستخدام الطبي. وإذا ما كان المضاد الحيوي ينتمي لمجموعة كيميائية غير معروفة سابقا، فينجح حينها مضاد حيوي واحد من بين كل 30 في الانتقال من مرحلة التجارب والدراسات إلى مرحلة الاستخدام العملي. وللأسف، تفتقد التجارب والدراسات الحالية على تطوير مضادات حيوية لقدر كاف من الإبداع والابتكار، أو البحث في استكشاف أنواع وأساليب جديدة للعلاج.

ومما يزيد الموقف سوءا أن ما يتم اكتشافه وينتقل للاستخدام الطبي، تتمكن البكتيريا من تطوير مقاومة ضده، في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات في المتوسط. هذا بالإضافة إلى أن العبء الأكبر من تطوير أساليب واستراتيجيات مبتكرة وخلاقة، يقع على عاتق الشركات متوسطة وصغيرة الحجم، والتي تعاني من نقص التمويل، بسبب خوف رأس المال من الاستثمار في هذا المجال على الرغم من أهميته، نتيجة نسبة الفشل الكبيرة، وضعف العائد المتوقع.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية.