كشفت دراسة جديدة أن تلوث الهواء قد يزيد من خطر مقاومة المضادات الحيوية في جميع أنحاء العالم، حيث يعد تفاقم تلوث الهواء وزيادة مقاومة المضادات الحيوية من أكثر مخاوف الصحة العامة إلحاحاً في العالم، ويساهمان في حدوث ملايين الوفيات المبكرة سنوياً. فقد اكتشف باحثون من جامعة تشجيان وجامعة كامبريدج وجود علاقة قوية بين ملوثات الهواء المعروفة بجزيئات (PM 2.5) – وهي جزيئات صغيرة من المواد الصلبة أو السوائل في الهواء مثل الغبار والأوساخ والسخام - ومقاومة المضادات الحيوية، وفقاً للدراسة التي نُشرت هذا الشهر في مجلة «لانسيت بلانيتاري هيلث».

قال الباحثون إن الارتباط الذي يظهر في بيانات من 116 دولة على مدى 18 عاماً «يتزايد بمعدل متسارع، الأمر الذي قد يسرّع بداية ما يسمى عصر ما بعد المضادات الحيوية»، حيث يمكن أن تصبح الجراثيم المقاومة للأدوية أو الأمراض المقاومة للأدوية، مثل المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) سائدة. ظل العلماء لسنوات يدقون ناقوس الخطر بشأن العواقب المميتة لمقاومة المضادات الحيوية، والتي توصف أحياناً «بالوباء الصامت» والتي تُعزى منذ فترة طويلة إلى الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها. لكن نتائج الدراسة الجديدة التي راجعها الأقران تشير إلى أن التلوث يمكن أن يكون أيضاً عاملاً مساهماً مهماً.

ويقدر المؤلفون أن مقاومة المضادات الحيوية المشتقة من تلوث الهواء تسببت في حوالي 480 ألف حالة وفاة مبكرة في عام 2018، وإذا لم يتم فعل أي شيء لعلاج الوضع في المستقبل، فقد يرتفع عدد الوفيات بنسبة 56.4% بحلول عام 2050. تشير النتائج إلى تقاطع اتجاهين مقلقين، كتب الباحثون في الورقة البحثية أنه من عام 2016 إلى عام 2019، زادت الوفيات الناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية بأكثر من 80%. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يتفاقم تلوث الهواء في جميع أنحاء العالم نتيجة لتغير المناخ. وقد وجدت دراسة نُشرت في مارس الماضي أن كل شخص على هذا الكوكب تقريباً يتعرض لمستويات من تلوث الهواء تعتبرها منظمة الصحة العالمية غير صحية.

خلال هذا الصيف، أدت نوعية الهواء السيئة الناجمة عن حرائق الغابات إلى جعل الضباب يخيم على أجزاء من الولايات المتحدة وكندا، مما أثار قلقاً متجدداً بشأن العواقب الصحية للتلوث، والتي تم ربطها بالفعل بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية وحتى الخرف والاكتئاب، من بين حالات أخرى.

وكتب «مارك هولمز»، أستاذ علم الجينوم الميكروبي وعلوم الطب البيطري بجامعة كامبريدج، والذي شارك في إعداد هذه الدراسة: «للتلوث تأثير هائل على صحة الإنسان حتى دون التفكير في مقاومة المضادات الحيوية». وقال: «هذا الارتباط بين مقاومة المضادات الحيوية وهذا النوع من التلوث يوفر حافزاً آخر لمعالجة التلوث». كانت الدراسة قائمة على الملاحظة، لذلك أكد المؤلفون أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد أي نوع من العلاقة السببية بين تلوث الهواء ومقاومة المضادات الحيوية.

ومع ذلك، فإنها تعد مهمة لأنها «التقرير الأول عن العلاقة بين جزيئات الجسيمات الدقيقة أو«PM2.5» ومقاومة المضادات الحيوية السريرية في جميع أنحاء العالم»، كما كتب المؤلفون. وقال هولمز إن النتائج كانت «مفاجئة» من حيث إنها تشير إلى «أهمية عدم الإفراط في وصف المضادات الحيوية بشكل بسيط عند معالجة مقاومة المضادات الحيوية».

أشارت الأبحاث السابقة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة المحلية والكثافة السكانية مرتبطان أيضاً بزيادة مقاومة المضادات الحيوية في مسببات الأمراض الشائعة. كانت مقاومة المضادات الحيوية مسؤولة عن ما لا يقل عن 1.27 مليون حالة وفاة على مستوى العالم في عام 2019، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وفي ديسمبر الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من مستويات عالية من المقاومة في البكتيريا التي تسبب التهابات مجرى الدم التي تهدد الحياة في المستشفيات وتجعل من الصعب علاج الالتهابات الشائعة. على عكس المعتقدات السائدة، ليس المريض هو الذي يقاوم المضادات الحيوية ولكن العامل الممرض نفسه. في كل مرة نستخدم فيها مضاداً حيوياً بنجاح، فإنه يقتل مسببات الأمراض الضعيفة ويترك وراءه عناصر مقاومة للأدوية، والتي تتكاثر بعد ذلك، مما يجعل استخدام الدواء بشكل فعال أكثر صعوبة في المستقبل. يسميه هولمز «الانتقاء الطبيعي الدارويني البسيط».

في حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الآلية الكامنة وراء الارتباط الواضح لتلوث الهواء بمقاومة المضادات الحيوية، كتبت هونج تشن، أستاذة الهندسة البيئية في جامعة تشجيانج التي شاركت في الدراسة، أن الهواء تم التعرف عليه باعتباره «ناقل رئيسي» لنشر مقاومة المضادات الحيوية. وقالت إنه ثبت أن جزيئات«PM 2.5» تحمل مجموعة متنوعة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والجينات المقاومة للمضادات الحيوية التي تنتقل بين البيئات ويستنشقها البشر مباشرة. ودعا مؤلفو الدراسة الحكومات والجمهور إلى فعل ما في وسعهم للتدخل، وكتبوا أن «الضرر الناجم عن تلوث الهواء العالمي لا حدود له».

كيلسي آبلز*

*مراسلة بمركز صحيفة «واشنطن بوست» في سيؤول

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»