في خطوةٍ تعكس اهتمام دولة الإمارات بترسيخ قيم الهوية الوطنية وتعزيز التلاحُم المجتمعي، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، قانوناً بإنشاء هيئة أبوظبي للتراث، التي ستحلُّ محل كل من «لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي»، و«نادي تراث الإمارات». وستتولى هيئة أبوظبي للتراث وضع الاستراتيجيات الهادفة إلى المحافظة على التراث و«السنع» الإماراتي، إضافة إلى إدارة وتنظيم المهرجانات والمعارض والبرامج التراثية داخل الإمارة وخارجها، بالتنسيق مع الجهات المُختصة.

وإلى جانب ذلك، ستتولى هيئة أبوظبي للتراث رعاية وتوثيق الشِّعر بأشكاله المختلفة، سواء النبطي أو الفصيح، ومراجعة الدراسات والإصدارات الخاصة بالتاريخ الشفهي في الإمارة واللهجات المحكية فيها، ومحتوى القصائد والمواد المكتوبة والمرئية والمسموعة المرتبطة بالقيادة والوطن.

ومما لا شك فيه أن تأسيس هيئة أبوظبي للتراث، سيؤدي إلى توظيف مكونات الأصالة والموروث المحلي، وتحويلها إلى منتج ثقافي، على نحو يسهم في توحيد الجهود وتوفير إطار عمل متكامل لحفظ التراث الوطني وفق صيغ عصرية مناسبة، لأجل منح فرصة للأجيال الجديدة للتعرُّف على التراث والتقاليد العريقة للدولة عبر العصور، بما يعمل على إثراء وجدانهم وترسيخ قيم الانتماء في نفوسهم. وفي الواقع، فإن دولة الإمارات تحرص على التمسُّك بالهوية والأصالة والذاكرة التاريخية، من خلال العمل على توثيق وإحياء التراث، بجانبيه المادي وغير المادي، وإيجاد فعاليات دائمة تقدم بطريقة مبتكرة قادرة على لفت انتباه الأجيال الحالية والمقبلة.

وهنا لابد من الإشارة إلى النهج العلمي الذي تتبنَّاه الدولة في إطار خطتها الوطنية لحماية الهوية وتوثيق التراث، من خلال استثمار التكنولوجيا في إعادة إنتاج التراث المحلي وتقديمه بصورة عصرية تتلاءم مع مستجدات الواقع.

فعلى صعيد التراث المادي، تؤدي المتاحف، على سبيل المثال، دوراً بارزاً ومؤثراً في تمازج الثقافات والأمم، نظراً لاحتوائها على مخطوطات ولوحات ومنحوتات تاريخية تلقى صدى إيجابياً كبيراً لدى الزائرين، وهو ما حفّز الدولة، نحو الاهتمام بنشر الوعي بالمتاحف التي تعدّ الحاضنة الأولى للحفاظ على الآثار والتراث، والنظر إليها كقيمة تاريخية وثقافية، تصون التاريخ العريق، وتبقي أجيال الحاضر والمستقبل في حالة من التشبث بأصالة تاريخهم، الذي سيبقى منارة ثقافية وطنية في النفوس.

أما على صعيد التراث غير المادي، فتوجد العديد من الشواهد على مدى اعتزاز الدولة بأسلوب الحياة التقليدية التي عاشها الأجداد والآباء في الماضي، كإقامة الكثير من الفعاليات، مثل سباقات القوارب الشراعية وسباقات التجديف، وسباقات الهجن، إضافة إلى تنظيم مهرجانات مثل مهرجان قصر الحصن في أبوظبي، والمهرجان الوطني للحرف والصناعات التقليدية في العين، ومهرجان ليوا للرُّطَب، ومعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية.

إن الثراء الحضاري والتراثي في دولة الإمارات لا يقل أهمية عن غناها الاقتصادي الذي عرفت به في الأوساط العالمية، وعلى الرغم من تحولها إلى دولة عصرية متقدمة وحداثية، فإنها لا تزال تتمسك بتراثها الأصيل، إدراكاً منها لأهمية تعزيز الهوية الوطنية لدى أبناء الجيل الصاعد، وتكريس اهتمامهم بالقيم العربية والإسلامية، ولذلك فإن الحفاظ على التراث هو أمر ملح بالنسبة للدولة، في ظل المتغيرات المتسارعة والتحديات الجدية التي تستهدف الهويات الوطنية والخصوصيات الثقافية في ظل عصر العولمة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.