تأتي استضافة أبوظبي المؤتمر العالمي للتربية البيئية في دورته الثانية عشرة، التي تنطلق فعالياتها غداً الاثنين، وتستمر لمدة 5 أيام، امتداداً لما تحقق من نجاحات خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 28»، ولدور الدولة الريادي في دمج فكر الاستدامة في مناحي الحياة كافة، ومنها النظام التعليمي وترسيخ مبادئ التربية البيئية بالممارسة والتطبيق، والأنشطة الميدانية للطلاب للتعرف على تطبيقات الاستدامة وممارساتها داخل الدولة.

وفي الواقع، فإن دولة الإمارات التي تمتلك العديدَ من الثروات الطبيعية المتنوعة، أدركت منذ تأسيسها أهمية حماية تلك الموارد واستدامتها، فاستحدثت العديد من التشريعات والقوانين التي تُسهم في المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية. وفي سياق متصل، كان هناك على الدوام اهتمام خاص بالتربية البيئية، حيث امتلك الآباء المؤسسون رؤية استشرفوا بها المستقبل إدراكاً منهم لقيمة العلم والمعرفة، وضرورة إعداد كوادر قادرة على قيادة الدولة للازدهار وحماية ثرواتها الطبيعية، واستدامتها على أسس علمية.

وترسيخاً لنهج الاستدامة، استمر العمل على الارتقاء بمستوى الوعي البيئي للمجتمع من قبل المؤسسات المعنية جميعها، ولأن الأجيال القادمة هي المستقبل، كان التركيز عليها ضرورة ملحة من خلال إعداد وتنفيذ البرامج التي ترفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة تعديلًا للسلوكيات نحو مستقبل مستدام وقابل للتكيف. وقد قامت الدولة بتكثيف الجهود لحماية البيئة، وتعزيز كفاءة الموارد، بتشجيع اتباع أسلوب حياة مستدام للأفراد والمؤسسات على حد سواء.

ومع دور هيئة البيئة- أبوظبي، كأحد الركائز الرئيسة للحفاظ على البيئة والعمل على تحقيق الاستدامة من خلال رفع الوعي البيئي لفئات المجتمع كافة، يأتي تنظيم الهيئة للمؤتمر العالمي الثاني عشر للتربية البيئية، برعاية كريمة من سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس مجلس إدارة الهيئة. ويعد هذا المؤتمر منصة حيوية لمشاركة أفضل الممارسات المبتكرة والأبحاث المتقدمة في مجال التربية البيئية، وطرح الآراء ووجهات النظر والإنجازات التي تم تحقيقها.

وسيناقش المؤتمر 10 محاور رئيسة تمثل قضايا الساعة، كالتصدي لأهم المخاطر البيئية، والعلاقة بين قضايا الأمن المائي والغذائي والطاقة في التربية البيئية وطرق تعزيزها، وتبني التعليم القائم على الطبيعة من خلال التجارب، أو ما يطلق عليه التعليم الذاتي. كما سيناقش المؤتمر أبرز التحديات التي تواجه التربية البيئية في مرحلة الطفولة المبكرة لكون تلك المرحلة فارقة في تشكيل شخصية الفرد وسلوكياته ومعتقداته، وكيفية دمج التربية البيئية بالفن والتصميم، بما يساعد على تصور الأنماط المتأصلة في الأنظمة الحية وهو ما سوف يشكل رؤية واقعية للطلاب.

وفي ظل التحديثات المتسارعة للذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية، يتطرق المؤتمر إلى الفرص الواعدة التي يمكن لتلك التقنيات الإسهام بها في رفع مستوى وعي الطلاب بالقضايا البيئية، وتمكينهم من المشاركة في مواجهتها، حيث تساعد تلك الأدوات على اتخاذ القرارات الملائمة، وحل المشكلات البيئية، مثل مراقبة وقياس البصمة الكربونية والتأثير البيئي للمنتجات، إلى جانب العديد من المجالات المرتبطة بها، ما يستدعي مواكبة العصر من خلال استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية في الأنظمة التعليمية.

ويستهدف المؤتمر فئات عديدة تشمل المعلمين من التعليم النظامي وغير النظامي، محلياً ودولياً، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والأكاديميين، وكافة المهتمين بمجال التربية البيئية، وتتضمن فعاليات المؤتمر هذا العام برنامجاً حافلاً يضم 294 جلسة، بمشاركة 312 متحدثاً يمثلون 73 دولة بهدف إثراء تبادل الأفكار، وتوفير تجربة تعليمية غنية، وتشجيع الحوار القائم على الاستكشاف حول الأبعاد المختلفة للتربية البيئية، وهو ما سيساهم في بناء مستقبل مستدام مبني على الأسس العلمية، وتحقيق التغيير الإيجابي من خلال التربية البيئية المبكرة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.