أثناء انعقاد المؤتمر السادس والأربعين لوزراء الصحة وواضعي ومنفذي السياسات الصحية في الدول الواقعة في منطقة شرق البحر الأبيض، والتي تنتهي فعالياته اليوم الخميس في العاصمة الباكستانية "إسلام آباد"، أعلن مدير المنظمة الدولية الدكتور "تيدروس جيبريسوس" عن إنشاء مفوضية دولية عليا لمكافحة الأمراض غير المعدية، وتفعيل إجراءات الوقاية والحماية منها. وستسعى هذه المفوضية لتحقيق تلك الأهداف من خلال تحديد وتأطير سبل مبتكرة لتخفيف العبء الصحي، والإنساني والاقتصادي للأمراض غير المعدية، وستعمل أيضاً المفوضية على دعم الجهود السياسية الرامية لتفعيل التدابير الوقائية التي تستهدف أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، وداء السكري، والأمراض التنفسية، بالإضافة إلى خفض العبء والمعاناة الناتجين عن الأمراض النفسية والعقلية، وعن العنف وما ينتج عنه من وفيات وإصابات. وسوف تترأس المفوضية الدولية، الدكتورة "سانيتا نيشتار"، وهي وزيرة فيدرالية سابقة في الحكومة الباكستانية، ومن الناشطين البارزين في مجال مكافحة الأمراض غير المعدية، وقد عملت سابقاً رئيساً مشاركاً في مفوضية منظمة الصحة العالمية للقضاء على السمنة بين الأطفال. وتشير الدراسات والإحصاءات إلى أن طائفة الأمراض غير المعدية، على اختلاف أنواعها وأصنافها، تقتل حالياً حوالي 40 مليون إنسان سنوياً، وهو ما يعادل 70 في المئة من جميع الوفيات البشرية. وتقع 15 مليون من هذه الوفيات بين أشخاص تتراوح أعمارهم بين 30 و69 عاماً، وتتحمل الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل العبء الأكبر من الوفيات الناتجة عن الأمراض غير المعدية، وبالتحديد 80 في المئة من الوفيات بين أفراد وسكان تلك الدول، وخصوصاً العنف والإصابات بين صغار السن من الذكور. فالملاحظ حالياً أن أنواع الأمراض غير المعدية التي ارتبطت في الأذهان لفترة طويلة بالمجتمعات الغنية، أصبحت تشكل عبئاً مرضياً يتزايد ثقله بمرور الوقت على كاهل شعوب الدول النامية والفقيرة. ومن الملاحظ أيضاً خلال العقود القليلة الماضية أن الأمراض غير المعدية قد بدلت ديارها المعهودة، بديار جديدة يفتقد سكانها المصادر المالية والنظم الصحية الكفيلة درء خطرها والحد من تبعاتها. ويرد جزء كبير من هذا الارتحال المرضي إلى تغيرات وعوامل قوية أصبحت قادرة على تشكيل الظروف الصحية في جميع بقاع ودول العالم، ومكنت الأمراض غير المعدية من احتلال مراكز متقدمة على قائمة أسباب الوفيات. وأمام الثمن الإنساني الفادح للأمراض غير المعدية، أعلن زعماء وقادة الدول عام 2015 عن عزمهم خفض الوفيات المبكرة الناتجة عن الأمراض غير المعدية بمقدار الثلث بحلول عام 2030، ضمن أهداف الألفية للتنمية المستدامة. وإن كان هذا الهدف، حسب الوضع الحالي وتوقعات الاتجاهات المستقبلية، سيكون في رأي الخبراء والمتخصصين من الصعب تحقيقه، حيث يتوقع هؤلاء أن تظل الأمراض المعدية في المستقبل القريب –وربما البعيد أيضاً- سبباً رئيساً للوفيات البشرية، بل ربما أهم تلك الأسباب. وجدير بالذكر أن أمراض القلب والشرايين تحتل حالياً رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري بوجه عام، حيث تتسبب أمراض قصور الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب وحدها في 7,3 مليون وفاة سنوياً، بينما تتسبب أمراض الشرايين المغذية للمخ، وما ينتج عنها من سكتة دماغية، بالإضافة إلى بقية أنواع أمراض القلب والشرايين في 6,2 مليون وفاة سنوياً هي الأخرى، بينما يعتبر التدخين من أهم الأسباب غير المباشرة للوفيات، من خلال تسببه في أمراض القلب والشرايين، والانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة. وتأتي أهمية إحصاء عدد من يتوفون سنوياً وأسباب تلك الوفيات لكونها واحداً من أهم المقاييس المستخدمة لتقييم فعالية النظم الصحية في الدول المختلفة، بالترافق مع قياس تأثير الأمراض المختلفة والإصابات على صحة أفراد المجتمع. حيث توفر هذه الإحصاءات والأرقام الفرصة لواضعي الخطط والاستراتيجيات الصحية، لمعرفة ما إذا كانت الرعاية الصحية تركز على قضايا الصحة العامة الأهم والأكثر خطورة. فعلى سبيل المثال، في دولة ما يتزايد فيها بشكل واضح عدد الوفيات الناتجة عن أمراض القلب وداء السكري في غضون سنوات قليلة يصبح أمراً ملحاً وأساسياً التركيز على البرامج التي تحث على تغيير نمط الحياة، وخصوصاً التخلص من العادات غير الصحية، وتحسين السلوك الغذائي، وزيادة مقدار النشاط البدني.