في دراسة مولها مجلس الأبحاث الطبية في دولة جنوب أفريقيا، وشملت 247 مستشفى في 25 دولة، ظهر أن معدل الوفيات بين من يخضعون لعمليات جراحية في القارة السمراء، يبلغ ضعف معدل الوفيات العالمي. وللأسف، يقع هذا المعدل العالي للوفيات بين المرضى الأفارقة الذين يخضعون للجراحة، على رغم أنهم غالباً ما يكونون أصغر سناً، وبالتالي أقل عرضة لمخاطر ومضاعفات العمليات الجراحية، كما يتمتعون بحالة صحية أفضل من أقرانهم في الدول الأخرى، التي تعاني مجتمعات العديد منها من ظاهرة تزايد نسب الشيخوخة، أو ارتفاع متوسط أعمار الأفراد، بما يحمله ذلك في طياته من معدلات مرتفعة من الإصابة بالأمراض المزمنة. وتعزو الدراسة التي نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة The Lancet، هذا المعدل المرتفع من الوفيات إلى عدة عوامل، منها نقص الكوادر الطبية المتخصصة، وفقر البنية التحتية الصحية، وضعف العناية بعد الجراحة، وغيرها من الأسباب. وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى حقيقة أن واحداً من كل خمسة أشخاص يخضعون للجراحة في القارة الأفريقية، يعاني من مضاعفات صحية لاحقاً، وخصوصاً العدوى التي تشكل 50 في المئة من تلك المضاعفات، وفي النهاية يلقى واحد في المئة من هؤلاء المرضى حتفه بعد الجراحة، وهو معدل ضعف المعدل العالمي البالغ نصفاً في المئة فقط. وإذا ما خصصنا بالحديث هنا نقص الكوادر الطبية المؤهلة -من بين الأسباب الكثيرة التي عددتها الدراسة سابقة الذكر- يتعين أن ندرك أنها مشكلة عالمية بكل المقاييس، تعاني منها جميع دول العالم تقريباً، الغني منها والفقير، الشرقي والغربي على حد سواء، حيث أصبح مثلاً نقص أو شح الممرضات، يشكل تهديداً لنظم الرعاية الصحية حول العالم. ففي جميع دول العالم دون استثناء، لا يوجد ما يكفي من الممرضات. والفارق الوحيد بين الدول في هذا الواقع العالمي المؤسف، هو أن الدول الغنية يمكنها سد احتياجاتها من الممرضات نسبيّاً، من خلال استقطاب -أو استنزاف في رأي البعض- الممرضات من الدول الفقيرة، التي لا تستطيع نظم الرعاية الصحية فيها المنافسة، على صعيد الأجور، أو التدريب والتطوير المهني، أو نمط الحياة نفسها في دولة غنية، بما تحمله من وعود في المستقبل، مثل الجنسية، أو ما توفره مظلة الضمان الاجتماعي فيها من مزايا، مثل العلاج المجاني، والتعليم المجاني للأبناء، وإعانات البطالة، وأخيراً التقاعد في ظروف مادية مريحة. وهو ما ينطبق أيضاً إلى حد كبير على مهنة القابلة أو الداية، حيث أظهر تقرير صدر سابقاً عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للقابلات، ومنظمة الصحة العالمية، أن النقص الحاد في عدد القابلات في 73 دولة حول العالم، يتسبب في وفاة الملايين من النساء الحوامل والأمهات الجدد، وأطفالهن حديثي الولادة والرضع أيضاً. وتتكبد شعوب الدول الـ73 التي تعاني من نقص حاد في القابلات ما يقارب من 96 في المئة من العبء العالمي لوفيات الأمهات، و91 في المئة من حالات ولادة الجنين ميتاً، و93 في المئة من وفيات الأطفال بعد الولادة. وإذا ما عرفنا أن هذه الدول يتواجد فيها 42 في المئة فقط، من المجموع العالمي من القابلات، والممرضات، والأطباء، فسيصبح حينها من السهل إدراك العلاقة بين النقص في أفراد الطاقم الطبي، وخصوصاً القابلات، وتعرض الدول والمجتمعات لمعدلات عالية من الوفيات بين نسائها أثناء حملهن، أو خلال ولادتهن، أو في الأيام والأسابيع الأولى التي تلي الولادة. وتسلط هذه الدراسة الضوء أيضاً على أهمية المجال الطبي المختص بسلامة المرضى، والمعني بالتركيز على الأمن والأمان في قطاع الرعاية الصحية، من خلال السعي نحو خفض الأخطاء الطبية قدر الإمكان، وربما منعها تماماً، مع إنشاء وتفعيل نظام يقوم بالإبلاغ عن هذه الأخطاء وتسجيلها وتحليلها إن وقعت، وخصوصاً إذا ما أدت إلى تبعات سلبية على المريض. حيث تظهر الإحصائيات الطبية أن من بين كل عشرة أشخاص يتلقون نوعاً أو آخر من الرعاية الصحية أو العلاج، يتعرض واحد منهم لضرر بدني، أو للوفاة، بسبب خطأ طبي، وهو ما دفع بمنظمة الصحة الدولية لتوصيف سلامة المرضى بأنها «اهتمام متوطن ودائم»، للمنظمة ولجميع نظم الرعاية الصحية حول العالم.